تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[كيف تكون محققا للمخطوطات؟]

ـ[فرغلي عرباوي]ــــــــ[05 Jul 2004, 06:01 ص]ـ

محتويات العدد الرابع

السنة الأولى- شوال 1419هـ- يناير 1999م

أصول تحقيق المخطوطات

محمد السيد علي بلاسي

تدور كلمة "التحقيق" في اللغة حول: إحكام الشيء وصحته والتيقن، والتثبت. ففي مقاييس اللغة: يقال: ثوب محقق إذا كان محكم النسج قال:

تسربل جلد وجه أبيك إنا * * * كفيناك لمحققة الرقاقا

ويقال: حققت الأمر وأحققته: أي كنت على يقين فيه (1).

وفي اللسان: وحقه يحقه وأحقه كلاهما أثبته، وصار عنده حقاً لا شك فيه، وحق الأمر يحقه حقاً وأحقه. كان منه على يقين، تقول: حققت الأمر وأحققته إذا كنت على يقين منه (2).

أما عن المدلول الاصطلاحي للتحقيق، فهو: "إخراج الكتاب على أسس صحيحة محكمة من التحقيق العلمي في عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبته إليه، وتحريره من التصحيف والتحريف، والخطأ، والنقص، والزيادة".

أو "إخراجه بصورة مطابقة لأصل المؤلف أو الأصل الصحيح الموثوق إذا فقدت نسخة المؤلف" (3).

فالتحقيق هو: "أن يؤدي الكتاب أداء صادقاً كما وضعه مؤلفه كماً وكيفاً بقدر الإمكان، فليس معنى تحقيق الكتاب أن نلتمس للأسلوب النازل أسلوباً هو أعلى منه، أو نحل كلمة صحيحة محل أخرى صحيحة بدعوى أن أولاهما أولى بمكانها، أو أجمل، أو أوفق، أو ينسب صاحب الكتاب نصاً من النصوص إلى قائل وهو مخطئ في هذه النسبة، فيبدل المحقق ذلك الخطأ، ويحل محله الصواب، أو أن يخطئ في عبارة خطأ نحوياً دقيقاً فيصحح خطأه في ذلك، أو أن يوجز عباراته إيجازاً مخلاً فيبسط المحقق عباراته بما يدفع الإخلال، أو أن يخطئ المؤلف في ذكر علم من الإعلام، فيأتي به المحقق على صوابه .. ليس تحقيق المتن تحسيناً، أو تصحيحاً، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ فإن متن الكتاب حكم على المؤلف وحكم على عصره وبيئته، وهي اعتبارات تاريخية لها حرمتها، كما أن ذلك الضرب من التصرف على حق المؤلف الذي له وحده حق التبديل والتغيير" (4).

فالتحقيق -إذن- أمر جليل يحتاج من الجهد والعناية إلى أكثر ما يحتاج إليه التأليف، حتى لقد قال الجاحظ -قديماً-: "ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفاً أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعاني، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام" (5).

فالعلماء العرب قديماً -قد عرفوا التحقيق، لا سيما عند توثيق النصوص وخاصة النصوص الشرعية، فقد كان لهم مناهج يتبعونها عند ذلك.

يقول الدكتور شوقي ضيف مؤكداً هذه الحقيقة: "لقد كانوا يعرفون كل القواعد العلمية التي نتبعها في إخراج كتاب لا من حيث رموز المخطوطات فحسب، بل أيضاً من حيث اختيار أوثق النسخ لاستخلاص أدق صورة للنص، ولعل خير ما يمثل عملهم في هذا الجانب إخراج اليونيني حافظ دمشق المشهور في القرن السابع الهجري لصحيح البخاري (6).

كما كان للعلماء العرب مؤلفات تتصل بالمنهج العلمي عند التأليف والتحقيق، من ذلك (7):

1 - مقدمة ابن الصلاح (أبو عمرو عثمان بن عبدالرحمن الشهرزوري، المتوفى سنة 643هـ) (8).

2 - تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم: لابن جماعة (بدر الدين بن أبي إسحاق إبراهيم الكناني، المتوفى سنة 733هـ) (9).

3 - التعريف بآداب التأليف: للسيوطي (جلال الدين عبدالرحمن، المتوفى سنة 911هـ) (10).

كل هذا وغيره يدل على أن أسلافنا الأفذاذ كان عندهم مناهج عند التأليف والتحقيق تكاد تقترب من مناهج المحدثين، إلا أنه مع هذا كله ومع بداية الاشتغال بالتحقيق في العصر الحديث لم يكن ثمة منهج معلوم يمكن أن يلتزم به المحققون، وإنما كان لكل منهم طريقته ومنهجه، على أنه قد استمدت بعض هذه الطرق من مناهج العلماء المسلمين في توثيق النصوص وخاصة النصوص الشرعية، كما استمد بعضها الآخر من مناهج المستشرقين في نشر التراث القديم. ومع مرور السنين بدأت الخبرات تتراكم وبدأ التفكير في تقنين هذه العملية ووضع الضوابط التي تحكمها (11).

صفات المحقق (12):

ينبغي لمن يتضلع بهذه المهمة الجليلة -وهي تحقيق المخطوطات- أن تتوفر فيه هذه الصفات:

1 - الإحساس بقيمة التراث العلمي والفكري إحساساً ينبع من الإيمان العميق بدوره الفعال في بناء حضارة الأمة عن طريق إحياء تراثها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير