[الرؤية والحساب وما بينهما من كلام أهل العلم]
ـ[عبدالله الميمان]ــــــــ[03 Nov 2004, 03:23 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الرؤية بين الحاسبين والرائين.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد استوقفني كلام جميلٌ جداً لشيخ الإسلام ابن تيمية في قضية رؤية الهلال، توقفت عنده كثيراً، وقدمت وأخرت، وأسررت وأعلنت، ثم خلصت إلى نقله إلى القارئ لأجل أن يتبين رأي العلماء في الرؤية.
يقول شيخ الإسلام: (فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أوالحج أوالعدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أولا يرى لا يجوز، والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً، ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل فيحق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم، وقد يقارب هذا قول من يقول من الإسماعيلية بالعدد دون الهلال) مجموع الفتاوى (25\ 132 – 133)، كما تقرأ كلام مهيب جداً.
و إجماعٌ نادرٌ من أنواع الإجماع انعقد على إهمال الحساب في قضية دخول شهر رمضان كما ترى.
إذاً القضية ليست رأياً لشيخ الإسلام فقط، بل إجماع العلماء في القرون المفضلة.
أعود هنيهةً إلى قضية الحساب، وأعيد التفصيل فيها، لأجد أن من يرى العمل بالحساب، قد افتتن بدقة العلم الفلكي الحاضر فقال: يجب الأخذ به وجعله محكماً على الرؤية، ونسي أن كون الشهر دخل أو لم يدخل هي مناط التشريع، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم علق التعبد بالرؤية لا بالدخول في الحديث المشهور: ((صوموا لرؤيته)) مع كونه صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يعبر – وهو أفصح العرب – بصوموا لدخول شهر رمضان، فعلة الصيام ومناط تكليفه الرؤية لا الدخول، ولهذا لو وقع خطأٌ عامٌ في صوم الناس أو حجهم فإن الحكم العفو عن الجميع، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صومكم يوم تصومون، ........ )، ولي مع أهل النظر في الحساب وقفات بعيد هذه المقدمة اللطيفة:
1 - أن الأخذ بالحساب ابتدع بعد القرن الثالث صنيعةً من بعض المتفقهة، ومع ذلك فرأيهم قيدوه بشرطين، الأول ألا يؤخذ به عموماً بل يكون خاصاً لمن حسب، والثاني أن يكون سبب الأخذ به الغم على الناس. (مجموع الفتاوى 25\ 133).
2 - أن تحريم تحكيم الحساب على الرؤية ليست رأياً لابن تيمية أو ابن القيم أو الإمام الشافعي أو الظاهرية بل هي إجماعٌ انعقد عليه رأي أهل العلم خلال ثلاثة قرون.
3 - أن من احتج بالحساب فإنه نظر إلى أن الحساب دقيق ولا يمكن أن يخطيء فقد نسي أن الشرع علق الأمر بالرؤية، وعللها تعليلاً صريحاً؛ فلا يسوغ تغيير العلة إلى عدم توفر الحساب أو دقته في ذلك الوقت أو غيرها من التعاليل الباردة.
4 - أن العلماء يقرون أن الحساب كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه، بل وقبل زمنه، فاليونان كانتً أمةً علمية تطبيقية، ولا يُعْلم قومٌ كانوا أعلم بالتنجيم منهم، بل جل ما أخذه المسلمون من الفلك والتنجيم كان عن اليونانيين والصابئة، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأخذ بالحساب، ولو لم يكن موجوداً في وقته لاكتفى بالأمر بالرؤية ولما كان للنهي عن الحساب حاجة، وفي سنن أبي داود أن ابن عمر كان لا يأخذ بالحساب.
5 - قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، ... إلخ) نهي صريح ورد بلفظ الخبر، كما هو متقرر في كتب الأصول، ونظير ذلك قوله تعالى: ((والوالدات يرضعن أولادهن)) فهو أمر خبري، وأمثلة الأمر والنهي الوارد بالصيغ الخبرية كثيرة ولولا الإطالة لنقلت الأمثلة الكثيرة من كتب الأصوليين.
¥