[دروس في علم الفرائض (تفسير ايات المواريث)]
ـ[إمداد]ــــــــ[14 Aug 2004, 11:59 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير آيات المواريث
الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلّم تسليماً.
أما بعد: فإن الله فرض المواريث بحكمته وعلمه، وقسمها بين أهلها أحسن قسم وأعدله، بحسب ما تقتضيه حكمته البالغة ورحمته الشاملة وعلمه الواسع، وبيَّن ذلك أتمّ بيان وأكمله، فجاءت آيات المواريث وأحاديثها شاملة لكل ما يمكن وقوعه من المواريث، لكن منها ما هو صريح ظاهر يشترك في فهمه كل أحد، ومنها ما يحتاج إلى تأمل وتدبر.
وكان أهل الجاهلية في جاهليتهم لا يورثون النساء، ولا الصغار من الذكور، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل وحاز الغنيمة، فأبطل الله هذا الحكم المبني على الجهل والظلم، وجعل الإناث يشاركن الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهن، فجعل للمرأة نصف ما للرجل من جنسها، ولم يحرمها كما فعل أهل الجاهلية، ولا سوّاها بالرجل كما فعله بعض المنحرفين عن مقتضى الفطرة والعقل، ثم قال:) آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء: من الآية11).وقال في آية أخرى:) وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (النساء: من الآية12)) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (النساء:13)) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء:14) وقال في آية ثالثة:) يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النساء: من الآية176)
فبيَّن الله تعالى أنه فرض المواريث بحسب علمه وما تقتضيه حكمته، وأن ذلك فرض منه لازم لا يحل تجاوزه ولا النقص منه، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشى فيها على ما حدّه وفرضه، جنات تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وتوعد من خالفه وتعدى حدوده، بأن يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين.
كما امتنّ بفضله علينا بالبيان التام حتى لا نضل ولا نهلك، فلله الحمد رب العالمين.
واعلم أنك إذا جمعت قوله (صلى الله عليه وسلم): "ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر"، إلى آيات المواريث؛ وجدتها قد استوعبت عامة أحكام المواريث ومهماته، وها أنا أشرح ذلك بحول الله، فأقول وبالله أقول:
آيات المواريث التي ذكرها الله نصاً في المواريث ثلاث:
الآية الأولى: في إرث الأصول والفروع.
الآية الثانية: في إرث الزوجين وأولاد الأم.
الآية الثالثة: في إرث الإخوة لغير أم.
فأما الآية الأولى فقوله تعالى:
{11 - 12} {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا *
¥