تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مسائل في الدعاء الجماعي]

ـ[يحيى الشهري]ــــــــ[09 Mar 2004, 10:24 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .. أما بعد: فالدعاء هو العبادة، صح به الخبر عن سيد البشر (صلى الله عليه وسلم). أخرجه أبوداود برقم (1479)، والترمذي برقم (2969)، والنسائي في الكبرى برقم (11464)، وابن ماجه برقم (3828) من حديث النعمان بن بشير.

وقد دل القرآن والسنة على فضله وعظيم مكانته، ومما جاءت به الآيات والأخبار في آدابه وضوابطه، النهي عن الاعتداء فيه مطلقًا، فيدخل فيه كل ما جانب الهدي المتبع فيه، وفي آدابه.

قال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعًا وخُفية إنه لا يُحب المعتدين) [الأعراف:55]. فبدأت الآية الكريمة بذكر أدبين من آداب الدعاء وهما:

أ ـ (التضرع) وهو: الدعاء بخشوع وتذلل واستكانة.

ب ـ (الخفية) وهي: الدعاء سرًا في النفس، فهو أبعد عن شبهة الرياء، قال تعالى مثتيًا على زكريا ـ عليه السلام: (إذ نادى ربه نداءً خفيًا) [مريم: 3].

ثم عقب بقوله: (إنه لا يُحب المعتدين) .. فدل من باب الأولى على أن من خالف هذين الأدبين فقد اعتدى.

قال بعض المفسرين: "أي المعتدين برفع أصواتهم في الدعاء".اهـ.

قال الشيخ بكر أبو زيد: "فهذا يعم النهي عن كل اعتداءٍ، وتجاوزٍ في الدعاء، ومن مشموله: الابتداع في الدعاء على أي وجه كان في: زمان أو مكان، أو مقدار، أو أداء". تصحيح الدعاء (ص61).

ومما يدخل في معنى هذه الآية قوله (صلى الله عليه وسلم): "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطَّهور والدعاء". أخرجه أحمد (4/ 87)، وابن ماجه (2/ 1271)، وأبو داود (1/ 169). قال ابن كثير في التفسير (2/ 222): إسناده حسن لا بأس به.

ومن المعلوم أن الأدب الأول قلما يتحقق إلا في السر، فلذلك أمرنا بالإسرار في الدعاء، ليكون على أكمل صورة، وما كان بحضور جماعة الناس، وجهرًا فهو مخالف للمشروع، إلا ما ثبت الاجتماع له أوالجهر فيه، كدعاء القنوت، والاجتماع على ذكر الله والتلبية في الحج، والاستسقاء.

ومن مظاهر الاعتداء بعض صور الدعاء الجماعي التي لم تكن معروفة فيما سبق .. من ذلك طلب الدعاء من الغير في منتدياتهم العامة، دعاءً مخصوصًا، كقول بعضهم: أطلب منكم الدعاء لأخي بالهداية .. أولأهلي بالشفاء!! .. ونحو ذلك.

ومن هذه الصور ما نراه من بعض الدعاة والوعاظ من مداومتهم على ختم دروسهم ومواعظهم بالدعاء، حتى أصبحت كل ملمة بالأمة ونازلة لها نصيب من هذا الدعاء.

وانصرف الناس عن القنوت وهو السنة في هذا الباب!!.

ولبيان حكم هاتين الصورتين اقتضى الحال أن نذكر الأصل الذي يقوم عليه معرفة البدع في هذا الباب، وهذا أراه يظهر من خلال جانبين:

الجانب الأول: ما يعرف بالسنة التركية، وهو أن يتهيأ فعل عمل ما في زمنه (صلى الله عليه وسلم)، أوفي زمن أصحابه ثم لا ينقل لنا أنهم عملوه، فترك هذا العمل يكون سنة تأسيًا به (صلى الله عليه وسلم).

وهذا من وجوه التفريق بين السنة والبدعة، ومن استحسن شيئًا من هذا القبيل فهو بهذا يدخل في باب استحسان ما لم يشرع، حتى وإن أورد عليه الأدلة، لأن كل بدعة لا بد لها من دليل يركن إليه أصحابها كما أشار لهذا الشاطبي في (الاعتصام).

ومن أصرح الأدلة على بدعية هذا العمل وما شابهه، قول ابن مسعود المشهور، عندما اتخذ بعض أصحابه مكانًا يجتمعون فيه للذكر فخرج إليهم، فقال: "يا قوم لأنتم أهدى من أصحاب محمد، أو لأنتم على شعبة ضلالة".

فدل على أن كل ما توافرت الدواعي لعمله في زمن السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم، ثم لم يعملوه يدخل في باب البدعة.

الجانب الثاني: إطلاق العبادة المقيدة، أو تقييد العبادة المطلقة، ذلك ينقلها من السنة إلى البدعة.

والدعاء يدخل في باب المطلق والمقيد، فما كان مقيدًا فلا يصح إطلاقه، وما كان مطلقًا فلا يصح تقييده.

فالمقيد كترتيب دعاء معين قبل الصلاة أو بعدها، أو ذكر أدعية دبر الصلاة طرفي النهار، أو نحو ذلك.

أما المطلق فلا يُحد بزمان ولا مكان ولا هيئة ولا كيفية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير