[مسألة: هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟]
ـ[أبو المنذر المصري]ــــــــ[20 Jul 2004, 02:18 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد
فهذه نبذة مختصرة عن تفاضل آي القرآن، أسأل الله أن ينفع بها
أفرد الإمام الزركشي رحمه الله، هذه المسألة ببحث مستقل في كتابه "البرهان في علوم القرآن"، وذكر الآراء التي قيلت في هذه المسألة:
أولا: قال البعض بأنه، لا فضل لبعض القرآن على بعض، لأن الكل كلام الله، وكذلك أسماؤه تعالى لا تفاضل بينها، واحتجوا بأن الأفضل يشعر بنقص المفضول، وكلام الله حقيقة واحدة لا نقص فيه، وهذا رأي ابن كلاب رحمه الله، ومن تبعه كأبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر الباقلاني رحمهما الله، وكان هذا الرأي بمثابة رد فعل لقول المعتزلة بخلق القرآن، حيث ظنوا أن الرد عليه، يستلزم القول بأن كلام الله معنى واحد قائم بذاته، مجرد عن الصيغة (وهو ما عبره عنه بالكلام النفسي)، لا فضل لبعضه على بعض، بل وذهبوا إلى أن هذا المعنى المجرد عن الصيغة مسموع دون أن يكون هناك كلام، وهذا من الإفتراضات المستحيلة، إذ أنهم يعلقون إدراك الشيء بالحواس على وجوده، فكل وجود عندهم، يصح تعلق الإدراكات كلها به، وهذا بطبيعة الحال، مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة، الذين يقولون بأن القرآن كلام الله، تكلم به سبحانه وتعالى بصوت وحرف، وأنه سبحانه وتعالى يتكلم بما شاء وقتما شاء، فهو بإعتبار أصله، صفة ذات، وبإعتبار آحاده، صفة فعل تتعلق بمشيئة الله عز وجل، كما قرر ذلك ابن عثيمين رحمه الله، ويقولون أيضا، بتفاضل كلام الله عز وجل، وأن بعضه أفضل من بعض، كما سيأتي إن شاء الله.
وممن نقل الزركشي رحمه الله، قوله بهذا الرأي، من أهل السنة والجماعة، مالك رحمه الله، حيث قال: وروي معناه عن مالك، قال يحيى بن يحيى: تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ، وكذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها، وهذا ما أنقله، والعهدة على راويه (وهو الزركشي رحمه الله، في البرهان (1/ 438) طبعة مكتبة دار التراث)، ولا أدري هل هذا يعني أن مالك رحمه الله، قد خالف أهل السنة في هذه المسألة، أم أنه يمكن تخريج كلامه على أصول أهل السنة، والله أعلم.
ونقل أيضا، قول ابن حبان رحمه الله، وهو من أئمة أهل السنة والجماعة المعتبرين، حيث قال في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه: (ما أنزل الله في التوارة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن، إن الله لا يعطي لقاريء التوارة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقاريء أم القرآن إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه)، قال: وقوله: أعظم سورة، أراد به في الأجر، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض.
ثانيا: وقال قوم بالتفضيل لظواهر الأحاديث، ثم اختلفوا:
فقال البعض بأن الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب بحسب إنفعالات النفس وخشيتها وتدبرها وتفكرها عند ورود أوصاف العلا، وهذا قول، على ما يبدوا مشابه لقول ابن حبان رحمه الله.
وقال البعض، بأن الفضل يرجع لذات اللفظ، فما تضمنه قوله تعالى: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم)، وآية الكرسي وآخر سورة الحشر، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته، ليس موجودا مثلا في قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب)، وما كان مثلها، فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها، لا من حيث الصفة، ويرجح الزركشي رحمه الله هذا الرأي بقوله: وهذا هو الحق.
ومضمون هذا الكلام مماثل لرأي شيخ الإسلام رحمه الله، في هذه المسألة، حيث قال، في جواب أهل العلم والإيمان، بأن الكلام له نسبتان: نسبة إلى المتكلم به، ونسبة إلى المتكلم فيه، فهو يتفاضل بإعتبار النسبتين وبإعتبار نفسه أيضا، فإن (قل هو الله أحد) و (تبت يدا أبي لهب) كلاهما كلام الله تعالى، وهما مشتركان من هذه الجهة، لكنهما متفاضلان من جهة المتكلم فيه، المخبر عنه، فالآيات الأولى كلام الله وخبره الذي يخبر به عن نفسه، وصفته التي يصف بها نفسه، وكلامه الذي يتكلم به عن نفسه تعالى، والآيات الثانية كلام الله الذي يتكلم به عن بعض خلقه، ويخبر به ويصف
¥