وقد ذكره القاضي ابن خلكان في الوفيات ودلَّس [في نسخة: قلس] عليه، ولم يجرحه بشيء، ولا كأن الكلب أكل له عجينا، على عادته في العلماء والشعراء؛ فالشعراء يطيل تراجمهم، والعلماء يذكر لهم ترجمة يسيرة، والزنادقة يترك ذكر زندقتهم، وأرخ ـ ابن خلكان ـ تاريخ وفاته في سنة خمس وأربعين ومائتين، وقد وهم وهما فاحشا والصحيح أنه توفى في هذه السنة ـ 298 هـ ـ كما أرخه ابن الجوزي وغيره. اهـ.
ولنقارن ترجمة ابن كثير لهذا المجرم، وترجمة ابن خلكان التي أشار ابن كثير إليها.
قال ابن خلكان في وفيات الأعيان 1/ 94:
الراوندي
أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق الرواندي العالم المشهور له مقالة في علم الكلام، وكان من الفضلاء في عصره، وله من الكتب المصنفة نحو من مائة وأربعة عشر كتابا منها كتاب "فضيحة المعتزلة" وكتاب "التاج" وكتاب "الزمرد" وكتاب "القصب" وغير ذلك وله مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام وقد انفرد بمذاهب نقلها أهل الكلام عنه في كتبهم توفي سنة خمس وأربعين ومائتين برحبة مالك بن طوق التغلبي، وقيل ببغداد، وتقدير عمره أربعون سنة، وذكر في البستان أنه توفي سنة خمسين والله أعلم رحمه الله تعالى.
ونسبته إلى راوند بفتح الراء والواو وبينهما ألف وسكون النون وبعدها دال مهملة وهي قرية من قري قاسان بنواحي أصبهان .. اهـ.
أرأيت الفرق بين الترجمتين! مع أنه رحمه الله قال في مقدمة كتابه 1/ 21: ... ولم أتساهل في نقله ممن لا يوثق به، بل تحريت فيه حسبما وصلت القدرة إليه ..
وقال الدكتور إحسان عباس محقق الكتاب: وقد أبدى بعض المعلقين على هوامش نسخ "الوفيات" قلقا شديدا لأن ابن خلكان لم يناوله بالذم .. [ثم نقل شيئا من كلامهم، وأما هو فلم يقل شيئا ولعله اكتفاء بما نقل].
والمقصود من هذا النقل والعرض معرفة ذلك لئلا يغتر أحد بمثل هذه التراجم لأعيان الزنادقة، و رؤوس أهل الضلال ..
ولا يظن أن الغرض من هذا انتقاص هذا العالم،أو انتقاص كتابه .. أو غيره بل محض النصيحة والبيان
والمؤلف له فضائل جمة، وفي كتبه علوم نافعة، ولعلي أنقل لك شيئا ترجمته من كتاب ابن كثير رحمه الله لنرى الإنصاف الذي قل في الناس ..
قال ابن كثير في البداية 17/ 588:
ابن خلكان قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس احمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان الإربلي الشافعي أحد الائمة الفضلاء والسادة العلماء والصدور الرؤساء وهو أول من جدد في أيامه قضاء القضاة من سائر المذاهب فاشتغلوا بالأحكام بعد ما كانوا نوابا له وقد كان المنصب بينه وبين أبن الصائغ دولا يعزل هذا تارة ويولى هذا ويعزل هذا ويولى هذا وقد درس ابن خلكان في عدة مدارس لم تجتمع لغيره ولم يبق معه في آخر وقت سوى الأمينية وبيد ابنه كمال الدين موسى النجيبية توفي ابن خلكان بالمدرسة النجيبية المذكورة بايوانها يوم السبت آخر النهار في السادس والعشرين من رجب ودفن من الغد بسفح قاسيون عن ثلاث وسبعين سنة وقد كان ينظم نظما حسنا رائقا وقد كانت محاضرته في غاية الحسن وله التاريخ المفيد الذي رسم بوفيات الاعيان من أبدع المصفنات والله سبحانه أعلم.
وقال الإمام الذهبي: كان إماما، فاضلا، متقنا، عارفا بالمذهب، حسن الفتاوى، جيد القريحة، بصيرا بالعربية، علامة في الأدب والشعر وأيام الناس، كثير الاطلاع، حلو المذاكرة، وافر الحرمة، من سروات الناس، كريما، جوادا، مُمَدّحا، وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان.
وقال ابن العماد الحنبلي ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة. انتهى من شذرات الذهب 7/ 648.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 May 2004, 11:30 م]ـ
جزاك الله خيراً على هذا التنبيه النفيس، والنقول الماتعة من كتب التراجم، وعلى بقية مشاركاتك العلمية الرصينة.
وأثني على ما تفضلت به أخي الكريم من قيمة كتاب (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان) للقاضي ابن خلكان رحمه الله. وهذا الكتاب مليء بالفوائد، وقد عني بها عدد من العلماء فجمعوها وقيدوها، ولا سيما ضبطه للأعلام والكنى والألقاب ونحو وذلك. وقد جمعها عبدالسلام هارون رحمه الله في كتابه (مقيدات ابن خلكان) في مجلد.
كما يمتاز هذا الكتاب بجودة الاختيارات الشعرية للشعراء المترجمين، فهو من أنفس الكتب التي أحرص على حفظ المقطوعات الشعرية منها لعدد من الشعراء المغمورين، الذين لم تطبع دواوينهم. وقد دفع هذا بعض الباحثين إلى البحث في منهج ابن خلكان في التراجم الأدبية.
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[16 May 2004, 11:57 م]ـ
الشيخ عبد الرحمن جزاك الله خيرا على التعليق المفيد
ومما يذكر هنا للفائدة سبب تسميته بابن خلكان ففيه أقوال:
1 - نسبة إلى قرية
2 - نسبة إلى جد من أجداده
3 - أنه سئل عن نسبه فقال خلِ كان يعني اسأل عن الرجل ودعك من السؤال عن آبائه وأجداده.
ينظر شذرات الذهب 7/ 650 الأصل وتعليق المحقق.