عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "
تفسير ابن كثير:
هذا أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات وغيرة منه لأزواجهن عباده المؤمنين وتمييز لهن عن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات.
وكان سبب نزول هذه الآية ما ذكره مقاتل بن حيان قال: بلغنا والله أعلم أن جابر بن عبدالله الأنصاري حدث أن أسماء بنت مرثد كان في محل لها في بنى حارثه فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن من الخلاخل وتبدو صدورهن وذوائبهن فقالت أسماء: ما أقبح هذا فأنزل الله تعالى "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" الآية فقوله تعالى "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" أي عما حرم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن
ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلا واحتج كثير منهم بما رواه أبو داود والترمذي من حديث الزهري عن نبهان مولى أم سلمة أنه حدثه أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونه قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب فقال رسول الله "احتجبا منه" فقلت يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوعمياوان أنتما؟ أو ألستما تبصرانه؟ "
ثم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
وذهب آخرون من العلماء إلي جواز نظرهن إلى الأجانب بغير شهوة كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد وعائشة أم المؤمنين تنظر إليهم من ورائه وهو يسترها منهم حتى ملت ورجعت وقوله "ويحفظن فروجهن" قال سعيد بن جبير: عن الفواحش وقال قتادة وسفيان: عما لا يحل لهن وقال مقاتل: عن الزنا وقال أبو العالية: كل آية نزلت في القرآن يذكر فيها حفظ الفروج فهو من الزنا إلا هذه الآية "ويحفظن فروجهن" أن لا يراها أحد وقوله تعالى "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" أي لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه قال ابن مسعود: كالرداء والثياب يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه وقال بقول ابن مسعود الحسن وابن سيرين وأبو الجوزاء وإبراهيم النخعي وغيرهم وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" قال: وجهها وكفيها والخاتم.
وروى عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيره نحو ذلك وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها كما قال أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبدالله قال في قوله "ولا يبدين زينتهن" الزينة القرط والدملوج والخلخال والقلادة
وفي رواية عنه بهذا الإسناد قال: الزينة زينتان فزينة لا يراها إلا الزوج: الخاتم والسوار وزينة يراها الأجانب وهي الظاهر من الثياب
وقال الزهري: لا يبدين لهؤلاء الذين سمى الله ممن لا يحل له إلا الأسورة والأخمرة والأقرطة من غير حسر وأما عامة الناس فلا يبدو منها إلا الخواتم
وقال مالك عن الزهري "إلا ما ظهر منها": الخاتم والخلخال
ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين وهذا هو المشهور عند الجمهور ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا: حدثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه لكن قال أبو داود وأبو حاتم الرازي هو مرسل. خالد بن دريك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها والله أعلم. وقوله تعالى "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" يعني المقانع يعمل لها صفات ضاربات على صدورهن لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها ليخالفن شعار نساء أهل
¥