فلا يثقل عليه فلا يحاول أن تكون نهايته هو هي بداية الطالب بل يتذكر بدايته هو ويجعل الطالب يسير كما سار .. وللخواطر بقيه ان كتب الله لنا الفسحة في الوقت كتبت واكرر شكري لصاحب الطرح الأول
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[03 Mar 2005, 02:57 م]ـ
جزاك الله خيرا
قال العلامة عبد القادر بن بدران في المدخل ص485 وبعدها:
لطائف قواعد
اعلم أن كثيرا من الناس يقضون السنين الطوال في تعلم العلم بل في علم واحد، ولا يحصلون منه على طائل، وربما قضوا أعمارهم فيه، ولم يرتقوا عن درجة المبتدئين، وإنما يكون ذلك لأحد أمرين:
أحدهما: عدم الذكاء الفطري، وانتفاء الإدراك التصوري، وهذا لا كلام لنا فيه، ولا في علاجه.
والثاني: الجهل بطرق التعليم، وهذا قد وقع فيه غالب المعلمين، فتراهم يأتي إليهم الطالب المبتدىء ليتعلم النحو مثلا، فيشغلونه بالكلام على البسملة، ثم على الحمدلة أياما، بل شهورا! ليوهموه سعة مداركهم، وغزارة علمهم، ثم إذا قدر له الخلاص من ذلك، أخذوا يلقنونه متنا، أو شرحا بحواشيه، وحواشي حواشيه، ويحشرون له خلاف العلماء، ويشغلونه بكلام من رد على القائل، وما أجيب به عن الرد، ولا يزالون يضربون له على ذلك الوتر حتى يرتكز في ذهنه أن نوال هذا الفن من قبيل الصعب الذي لا يصل إليه إلا من أوتي الولاية! وحضر مجلس القرب! والاختصاص.
هذا إذا كان الملقن يفهم ظاهرا من عبارات المصنفين، وأما إذا كان من أهل الشغف بالرسوم أشير إليه بأنه عالم فموه على الناس، وأنزل نفسه منزلة العلماء المحققين، وجلس للتعليم، فيأتيه الطالب بكتاب مطول، أو مختصر فيتلقاه منه سردا لا يفتح له منه مغلقا، ولا يحل له طلسما، فإذا سأله ذلك الطالب المسكين عن حل مشكل انتفخ أنفه، وورم، وقابله بالسب، والشتم ونسبه إلى البهائم، ورماه بالزندقة، وأشاع عنه أنه يطلب الاجتهاد!.
ومن أولئك من لا يروم الحماقة لكنه يقول إننا نقرأ الكتب للتبرك بمصنفيها، وأكثر هؤلاء هم الذين يتصدرون لإقراء كتب المتصوفة فإنهم يصرحون بأن كتبهم لا يفهمها إلا أهلها، وأنهم إنما يشغلون أوقاتهم بها تبركا!
ولعمري لو تبرك هؤلاء بكتاب الله المنزل لكان خيرا لهم من ذلك الفضول، وهؤلاء كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
ومنهم من يكون داريا بالمسائل وحل العبارات، ولكنه متعاظم في نفسه فإذا جاءه طالب علم الفقه أحاله على شرح منتهى الإرادات إن كان حنبليا، وعلى الهداية إن كان حنفيا، وعلى التحفة إن كان شافعيا، وعلى شرح مختصر خليل للحطاب إن كان مالكيا، ثم إن كان مبتدئا صاح قائلا إلى الملتقى يوم الدين وإن كان ممن زاول العربية، وأخذ طرفا من فن أصول الفقه انتفع انتفاعا نسبيا لا حقيقيا.
ـ إلى أن قال ـ: فالواجب الديني على المعلم إذا أراد إقراء المبتدئين أن يقرئهم أولا كتاب أخصر المختصرات أو العمدة للشيخ منصور متنا إن كان حنبليا، أو الغاية لأبي شجاع إن كان شافعيا، أو العشماوية إن كان مالكيا أو منية المصلي أو نور الإيضاح إن كان حنفيا، ويجب عليه أن يشرح له المتن بلا زيادة ولا نقصان بحيث يفهم ما اشتمل عليه ويأمره أن يصور مسائله في ذهنه، ولا يشغله بما زاد على ذلك.
وقد كانت هذه طريقة شيخنا العلامة الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي المشهور بـ"خطيب دوما" المتوفى بالمدينة المنورة سنة ثمان وثلاثمائة بعد الألف ـ وكان ـ رحمه الله ـ يقول لنا: لا ينبغي لمن يقرأ كتابا أن يتصور أنه يريد قراءته مرة ثانية؛ لأن هذا التصور يمنعه عن فهم جميع الكتاب، بل يتصور أنه لا يعود إليه مرة ثانية أبدا، وكان يقول كل كتاب يشتمل على مسائل ما دونه وزيادة، فحقق مسائل ما دونه لتوفر جدك على فهم الزيادة، انتهى.
ـ إلى أن قال ـ: وطرق التعليم أمر ذوقي، وأمانة مودعة عند الأساتذة، فمن أداها أثيب على أدائها، ومن جحدها كان مطالبا بها، وقد أودع ابن خلدون في مقدمة تاريخه نفائس من هذه المباحث كالمقدمات، ومطالعتها تهدي النتيجة لصادق الهمة مطلق من قيد التقليد، ولله در ابن عرفة المالكي حيث قال:
إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة * وتقرير إيضاح لمشكل صورة
وعزو غريب النقل أو حل مقفل * أو إشكال أبدته نتيجة فكرة
فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد * ولا تتركن فالترك أقبح خلة.