تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الأمرُ الثاني، وهو (هل يحسن أن نعتدَّ بالقليلِ ولا سيَّما معَ وجودِ الإيهام؟)، فأقولُ: إنَّه إذا غلبَ هذا القليلُ في عصرٍ من العُصورِ على الكثيرِ، فلا بأسَ أن يعتدَّ بهِ، لزوالِ الإيهامِ. وهذا كحالِ هذا اللفظِ، فإنَّ أهلَ العصورِ المتأخرةِ اشتهرَ عندهم النديم بمعنى: الجليس المقرَّب؛ وهو الأصلُ اللُّغويُّ الأوَّلُ؛ فلذلك لا يتبادرُ إلى الوهم المعنى الآخرُ.

وعلى ذلكَ كلِّه، فإنَّ هذا الملتقَى قرَّرَ تبديلَ لفظِ (نديم) إلى (جليس)، حتى يكونَ مرضيًّا من ال

ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[09 Jun 2008, 08:48 م]ـ

الكريمان الفاضلان د. خضر، وأبو مهند: جزاكما الله خيرا، ولقد استمتعت واستفدت- رعاكما الله- مما دار من حوارعلمي رائع، تميز بالموضوعية، واكتسى بحلة أدبية، زانته ألفة الإخاء، والانتصار للحق، ولقد كان مثالا فريدا، في أدب الحوار، والطرح الموضوعي، ليته يُفعّل في جميع الملتقيات، لكان خيرا كثيرا، وفائدة عظيمة، ونتائج مثمرة، وحقا لقد ضرب الأخ أبو قصي رئيس الملتقى مثلا رائعا، وانموذجا فريدا، في النزول عند ما رأى أنه الأصوب والأفضل، مع أن المتوقع في بداية الحوار، ومع ما قدمه من براهين ترجح كفته، ألا يتنازل عن ما بدا له أنه صواب، ومع ذلك فاجئنا بتنازله، دونما إصرار أو غضب أو تعصب، وأصَّل قول عنترة:" ولا ينال العلى من طبعه الغضب"، فلله دره من منصف، ولنعم الإخوان هو.

أما الشيخ الفاضل د. خضر: فقد مثَّل العالم الصبور، المصر على إظهار ما يراه حقا، وبذل جهدا حميدا، وحوارا أخويا، صُبغ بحلية العلماء، وتجلى حلما وقوة حجة، فجزاه الله خيرا.

ولمَّا كنت متابعا، وسبق أن أشرت إلى أننا بانتظار رد أبي قصي، والذي كان بمثابة النتيجة النهائية الحميدة لهذا الحوار الشيق المفيد، فصار لزاما علي أن أنقل هذا الرد الذي تمحور جل كلامي السابق عليه، خاصة لمن تابع الحوار السابق هنا، وحتى لا أطيل فقد كان الرد الحميد على النحو الآتي:

أيها الدكتورُ الكريمُ / عبد الفتاح

إذْ كنتَ رغبتَ ألا يطولَ الحِوارُ، ويمتدَّ، فإني أوجزُ القولَ جدًّا في المسألةِ الأولَى.

فأقولُ:

إنَّ أكثرَ ما أوردتَّ لم يكنْ موضعَ خِلافٍ؛ إنما الخِلافُ في أمرينِ:

1 - هل تُستعمَل كلمةُ (النديم) في غيرِ الجليسِ على الخمر.

2 - لو قدَّرنا أنها تستعملُ قليلاً، فهل يحسُن أن نعتدَّ بالقليلِ؟

فأمَّا الأمرُ الأوَّلُ، فإنَّك نفسَك أثبتَّ في أصلِ الحديثِ أنَّها تُستَعملُ في غيرِ الجليسِ على الخمرِ نادرًا؛ فإذًا استعمالُها بهذا المعنَى ثابتٌ سَماعًا. وقد جرَى عليهِ المتأخِّرونَ، كابنِ فارسٍ في قولِه:

نديمي هرّتي، وأنيس نفسي ... دفاترُ لي، ومعشوقي السِّراجُ

وبيِّنُ جدًّا أنه يريدُ بالنديم: الجليسَ في غيرِ الخمرِ. [وقد ذكر هذا الأستاذُ الضريرُ].

أمَّا الاحتجاجُ بالقياسِ، فقد بيَّنتُ أنه لا يُسعفنا في هذا المَقامِ، لأنَّ العَلاقةَ فيه مسبَّبيةٌ عن خبرٍ، ثمَّ أُخرِجت عن أصلِها؛ فانبغت الصيرورةُ إلى السماعِ وحدَهُ. وإنكارُك لهذا لا يسوغُ، لأنه من قولِ أهلِ العلمِ، ولأنَّك لو أنكرتَه، للزمَكَ أن تثبتَ له أصلاً اشتقاقيًّا، ولا إخالُ هذا يتأتَّى لكَ.

أما قولك: إن هذا الملتقى بنى اختيارَه لهذا اللفظِ على قصةِ جذيمةَ الأبرشِ. فلا يصِحّ، لأني بينتُ في كلامي أنَّ خبرَ جذيمةَ لا يهدينا إلى وجهِ الاشتقاقِ؛ قلتُ:

اقتباس:

فقد رأينا إذًا أنَّ الاشتقاقَ لا يدلُّ على (الشراب)، وأنَّ المحتَكَمَ إليهِ في ذلكَ إنما هو السَّماعُ

أما الأمرُ الثاني، وهو (هل يحسن أن نعتدَّ بالقليلِ ولا سيَّما معَ وجودِ الإيهام؟)، فأقولُ: إنَّه إذا غلبَ هذا القليلُ في عصرٍ من العُصورِ على الكثيرِ، فلا بأسَ أن يعتدَّ بهِ، لزوالِ الإيهامِ. وهذا كحالِ هذا اللفظِ، فإنَّ أهلَ العصورِ المتأخرةِ اشتهرَ عندهم النديم بمعنى: الجليس المقرَّب؛ وهو الأصلُ اللُّغويُّ الأوَّلُ؛ فلذلك لا يتبادرُ إلى الوهم المعنى الآخرُ.

وعلى ذلكَ كلِّه، فإنَّ هذا الملتقَى قرَّرَ تبديلَ لفظِ (نديم) إلى (جليس)، حتى يكونَ مرضيًّا من الجميعِ، وحتَى لا يبقَى في نفسِ أحدٍ ريبٌ منه.

وللدكتورِ الفاضلِ / عبدِ الفتاح خالصُ الشكر على هذا التنبيه. ونحن نسعَدُ بمن ينبّهنا على ما يراه مجانبًا للصوابِ، أو يشيرُ علينا بما يقدِّرُ أنه الحقُّ:

قالَ بشارٌ:

إذا بلغَ الرأيُ المشورةَ، فاستعنْ ... برأيٍ نصيحٍ، أو مقالةِ حازمِ

ولا تجعلِ الشّورى عليكَ غضاضةً ... فإنّ الخوافي قوةٌ للقوادمِ

أبو قصي

وكان جزاء الإحسان إحسانا، وجاء رد الفاضل د. خضر شاكرا، مقدرا بقوله:

أقرر ـ أيضاً ـ أنكم ضربتم مثلا عز عن النظير، بل يفخر به أهل العلم، ومن هنا أدين لكم بالأدب والمعرفة وأشهد أنكم أصبتم من القلب موضعا، وأغلقتم على شياطين الإنس والجن محابسهم، فلا حرمنا الله من نَصَفتكم، وأهلا بكم للمرة الثانية في موقعكم ملتقى أهل التفسير، نزداد بكم شرفا وعلماً ونبلا.

وبكم كان مسك الختام لهذه المداخلة، ولعل الأيام تساعدنا على مزيد من الدرس، والتدقيق والتنميق والتحقيق لكلمة "منازعة" مع تقديري

وهكذا أُسدل الستار، وانتهى الحوار، على أمل أن يُفتح باب للحوار حول " المنازعة"، وهو ما سيقرره شيخنا الدكتور خضر، وجزى الله الجميع خيرا.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير