واستأنف الشيخ سلمان العودة قائلا: إن الحوار شريعة، تمامًا كما أن الزواج والطلاق شريعة، وقد ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم لفظ الحوار بين مُشْرِكٍ ومؤمن، في قوله تعالى: "وَهُوَ يُحَاوِرُهُ" [الكهف:34]، وبَيْنَ العالم والجاهل، كما في سورة المجادلة"وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا" [المجادلة:1]، وذكر الله مرادفاتٍ أخرى للحوار، كالمجادلة والمخاصمة وغيرها، مما يدل على أن الحوار قاعدة شرعية مُحكمة.
بين الحوار والحرب
والرسل والأنبياء بُعِثُوا بتصحيح عقائد الناس، ومسار حياتهم، والمجادلة بالتي هي أحسن. وفي المقابل، بَعَثَ الرسل أيضًا بوسائل أخرى، كالحرب، وهي جزءٌ من الشريعة، والنصوص كثيرة في ذلك، كما في سورة التوبة التي تَحَدَّثَتْ عن نظام الحرب والسلم والعهود، وقد حَفِل نحو نصف القرآن الكريم بذلك، وامتلأت به السُّنّة الْمُطَهَّرة، وتحدث عنه الفقهاء والعلماء، وقد جمع الله تعالى بين الأمرين معًا في آية سورة الحديد، فقال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" [الحديد:25].
التعميم الخاطئ والتربية الواعية
ونبه الشيخ سلمان العودة إلى خطورة إلصاق التهم الجزئية بالأمم عامة، دون التفصيل والتعقل في الحكم والوصف، فقال: لو قال شخص ما من الغرب: إن الشعوب العربية مهووسة بالجنس واللهو. نقول له: هذا خطأ. فلو قال: ولكني رأيت؟! نقول له: أنت رأيت حِفْنَةً لا تمثل حقيقة هذه الشعوب. ولو قال متطرفون في أمريكا: إن العرب مجموعة من الإرهابيين، فألصقوا التهمة بمليار و300 مليون مسلم، نقول لهم: إن هذا ليس في صالحكم، فهو يؤسس لانهيار عالمي، لأنه إذا عمل بعض الأفراد عملًا ضربكم في الصميم، فكيف يصنع المليار و300 ألف يحملون نفس الفكرة ويسعون إليها؟!
مؤكدا على المعني القرآني: إن من المهم أن نربي أنفسنا، وأن نربي الجميع على أن الناس "ليسوا سواءً".
صراع الحضارات
وفند فضيلته حقيقة ما يُقال عن نظرية "صدام الحضارات" لصمويل هنتجتون، وقال: هذه النظرية أُجْرِي عليها تعديلات كثيرة، وهناك الكثير من المؤرخين والفلاسفة الذين يرفضون ذلك التوجه وينتقدونه، وهناك في المقابل من تَلَقَّفَها من اليمين المتصهين، وهناك أيضًا في الشعب الأمريكي من بدأ يصحو، وواضح أن هذه الصحوة ستوقع عقابا مؤلما في الانتخابات القادمة على أولئك الذين خاضوا الحروب وأرهقوا شعوبهم. وللأسف- يقول العودة- فإن بعض الإدارات الحاكمة قد تستعين بالمتطرفين والمتشددين لتصنع لها عدوًا؛ حتى تحصل على تأييد شعبي، ونحن كدعاة، لا نخاطب الساسة، ولكن نخاطب المثقفين والمفكرين والعلماء والعامة.
وفسر الشيخ حقيقة الحوار في الإسلام، مُبَيِّنًا أن التداول الحضاري موجود بين الأمم، فقال: الحضارة الإسلامية أساسها الإسلام، ولكن تفاصيل الحضارة في البناء والإبداع، ربما تكون قد تمت من خلال الاستفادة من حضارات أخرى، فلا نستغرب أن نجد -مثلا- أعمدة في الحرم أُخِذَتْ من آثار الرومان، إذن، فالتداول والتراكم الحضاري موجود، وهو ضمن الحوار، والحوار موجود، وهو الذي يحدث الآن، فعَقْد دول العالم الإسلامي الاتفاقات السياسية والتقنية والاقتصادية والبحوث، هذا كله نوع من الحوار.
وعن الحوار بالقدوة الحسنة والأخلاق الإسلامية أكّد الشيخ على أنّ كثيرًا من مجتمعاتنا بحاجةٍ إلى نهضة في الأخلاقيات، الإعلامي والطبيب والموظف والطالب والتاجر، هذه الأخلاقيات التي تعطي الناس انطباعًا إيجابيًّا، سواء للمقيم في بلده أو في الخارج.
ضرورة الحوار على كافة المستويات
وطالب العودة بضرورة الحوار على كافة المستويات في الداخل والخارج، وقال: إنه لا ينبغي أن نعلق بدء الحوار بانتهائنا من إصلاح أنفسنا، بل لابد من إطلاق الحوار على أكثر من مستوى؛ بمعنى الحوار داخل الإسلاميين، وبين الجماعات، وقادة الفكر والرأي .. عليهم جميعًا أن يزيلوا الحواجز، ويتحاوروا فيما بينهم، وأن يذيبوا الجليد.
¥