5) أنه على الرغم من نفاسته وأهميته فإن أكثر الناس مغبونون فيه، يقول الناطق بالوحي صلى الله عليه وسلم: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ}.
قال ابن بطال: (كثير من الناس) أي أن الذي يوفق لذلك قليل. اهـ
وإنما يعرف قدر هاتين النعمتين من حُرِمها.
هل تأملت أخي الشاب ذلك الشاب الذي تعرض لحادث سيارة فأصبح مشلولاً مقعداً طوال حياته لتعلم كم أنت مغبون في صحتك .. وهل تأملت آخرين ممن يعيشون خلف القضبان وبين الجدران في السجون لتعلم كم أنت مغبون في فراغك.
ومن العجيب أنك قد ترى بعض المرضى والمشلولين والمسجونين يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة، أما الذين أصح الله أجسادهم، وعافاهم من الأمراض والمشغلات المقلقة، فإنهم يتسابقون في تضييع الأوقات وقتلها.
6) أن هذا الوقت هو محل الحساب يوم القيامة، وكل إنسان محاسب على أوقات عمره كلها لأنها وعاء الأعمال والأقوال، كما قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
وقد روى الترمذي وغيره بسند صحيح عن أبي برزة الأسلمي عن النبي قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه). وفي رواية (وعن شبابه فيما أبلاه) كما في حديث ابن مسعود عند الترمذي ومعاذ عند البيهقي وغيره.
إذا عرفنا خصائص الوقت وشرفه وأهميته، فإننا لا بد من استغلال الوقت بالأعمال النافعة في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة .. إنه لمن المؤسف أن نرى هذا الضياع الذي يعيشه الكثير من الناس في الإجازة.
بل إن كثيراً من المشاكل والسلوكيات السيئة بل والجرائم تزداد في أوقات الإجازة.
في حوارات سريعة مع بعض طلاب المرحلة المتوسطة بالمنطقة الشرقية، كانت النتائج تنم عن مأساة يقع فيها أولادنا في الإجازة. ما هو أبرز شيء عملته في الإجازة؟ هذا يقول:
1. في السهر مع الاصدقاء على الكورنيش الى الفجر.
2. الدوران على السيكل من الساعة 8 مساء الى 10 صباحاً.
3. في النوم ولعب السوني.
4. مع أصحابي الأكبر مني سناً بالدوران بالسيارة متنقلاً بين مدن المنطقة الشرقية.
5. الوناسة مع اصحابي وجلسات الغناء والرقص.
6. الذهاب لشاطيء نصف القمر والتفحيط والتطعيس.
وهكذا عند الفتيات .. ففي استبيان أجراه موقع (لها أون لاين) على مائة فتاة تراوحت أعمارهن بين 15 إلى 24 سنة في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعيات حول وجود التخطيط لقضاء الإجازة تبين أن 60% من العينة ليس بذهنهن أي مخطط لقضاء الإجازة الصيفية بينما 40% لديهن مخطط يسعون إلى تنفيذه.
- وبسؤالهن عن كيفية قضاء الإجازة غلبت السلبيةُ على الإجابات.
50% من الإجابات قالت بأنه لا شيء محدد تنوي فعله أو تفكر فيه وهي تعيش أيام الإجازة يوماً بيوم.
30% قالت أنها ستسافر لتستمتع بالإجازة، ومنهن من قالت إنها ستقضي إجازتها في التسوق وأخرى في المناسبات والأفراح.
وبلغت نسبة من رغبن بالالتحاق بدورات علمية أو حاسب أو تعلم الطبخ أو مركز صيفي 10% من العينة فقط.
- أما بالنسبة للنوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة.
أجابت 46% أنهن يسهرن الليل وينمن بالنهار.
46% قلن: إنهن ينمن بالليل ويجعلن النهار للاستمتاع والزيارات.
13% قلن: أحياناً نسهر الليل وأحياناً ننامه.
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله يبغض كلَّ جَعْظَريٍ جَوَّاظ، سَخَّابٍ في الأسواق، جيفةٍ بالليل، حمارٍ بالنهار، عالمٍ بالدنيا جاهلٍ بالآخرة)). رواه ابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة وفي سنده كلام، فقد صححه الألباني في صحيح الجامع ثم رجع عن تصحيحه في السلسلة الضعيفة.
والجَعْظَري هو الفظ الغليظ المتكبر. والجواظ هو الجموع المنوع.
وتأمل في آخر الحديث .. كم من شاب ينطبق عليه هذا الوصف: سخاب في الأسواق (من السَّخَب وهو الضجة ورفع الصوت)، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة!!. نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا ويردنا إليه رداً جميلاً، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
¥