3 - ما جاء في تهذيب الأسماء واللغات (ج3 ص181) أن الصفا أنف من جبل أبي قبيس والمروة أنف جبل قعيقعان، وفي رحلة التجييي ص350 والروض المعطار ج1 ص362 أن الصفا في أصل أبي قبيس والمروة في أصل قعيقعان، وفي القاموس ج4 ص354 والصفا من مشاعر مكة بلحف أبي قبيس، وابتنيت على متنه دار فيحاء، وفي دار السعادة ج2 ص87 وصفهما بأنهما في ذيل جبلي أبي قبيس وقعيقعان، وفي حاشية البجيرمي على الخطيب ج2 ص381 وصفهما بأنهما في طرفي جبل أبي قبيس وقعيقعان، وجاء وصفهما انهما رأسا نهاية جبل أبي قبيس وقعيقعان (التحرير ج2 ص60) ووصفهما بأنهما مصعدان إلى أبي قبيس وقعيقعان،، وجاء وصف الصفا بأنه مرتفع من أبي قبيس (معجم البلدان ج3 ص411).
4 - أن المسعى كان في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- أوسع مما هو عليه الآن، فقد كان يمر من داخل المسجد ثم أخرج من المسجد (ما بين عام 160 - 167هـ) في عهد الخليفة العباسي المهدي ليتسع المسجد، وحتى يكون مربعاً وتكون الكعبة وسطه كما في أخبار مكة للأرزقي ج2 ص79 حيث قال: (وكان المسعى في موضوع المسجد الحرام اليوم) وفي مصنف ابن أبي شيبة عم مجاهد قال: في ما بين العلمين: هذا بطن المسيل الذي رمل فيه النبي- صلى الله عليه وسلم- ولكن الناس انتفضوا منه. وفي الأم للشافعي ج3 ص544 (ثم ينزل يمشي حتى إذا كان دون الميل الأخضر المعلق في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع سعى سعياً شديداً، وهذا يدل على ما ذكره الأزرقي ومجاهد من أن المسعى كان داخل المسجد، وأنه أخرج عنه. وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة ان النبي- صلى الله عليه وسلم- ناداه يوم الفتح فقال له يا أبا هريرة .. (اهتف بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصاري قال: فهتفت بهم فجاءوا فأطافوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال لهم أترون إلا أوباش قريش وأتباعهم .. إلى قوله احصدوهم حصداً حتى توافوني بالصفا (وكونه- صلى الله عليه وسلم- التقى مع الأنصار على الصفا، وأن مسلمة الفتح بايعوه على الصفا، ولا شك أن عددهم كان كثيرا مما يدل بوضوح على ان الصفا كان في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- أوسع بكثير مما هو عليه الآن بل إن الصفا بوضعه الحالي لا يمكن الجلوس فوقه لضيقه ووعورته.
النقطة الثالثة في حكم السعي (التطواف)
بين الصفا والمروة في الحج والعمرة:
اختلف العلماء في حكم السعي بين الصفا والمروة على ثلاثة مذاهب الأول: انه ركن لا يجير بدم فإن لم يأت به الحاج كان عليه حج قابل، وهو مذهب مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد، وفي رواية وصحح هذا المذهب كثير من أصحابه واسحاق واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} الآية، وأن الشعائر لابد وأن تكون من الأركان، وأن سبب نزول الآية صرفها عن ظاهرها لإفادة الوجوب وبقوله- صلى الله عليه وسلم- (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) وبفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع قوله (خذوا عني مناسككم) وبعموم قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وقد بين صلى الله عليه وسلم ان السعي من الحج المأمور به (بداية المجتهد ج2 ص67 المغني ج5 ص238 الأم ج3 ص543 تفسير الطبري ج2 ص49 - 52 أضواء البيان ج7 ص245 - 269).
المذهب الثاني: أن السعي واجب، ومن رجع من حجه ولم يسع كان عليه دم وبه قال الأحناف على تفصيل عندهم ذكره في بدائع الصنائع ج2 ص133 والإمام أحمد في رواية، والقاضي أبو يعلى والحسن والثوري، وقال ابن قدامة: إنه أولى ودليل غير الأحناف الأدلة السابقة في المذهب الأول، أما الأحناف فإنهم يرون أن الركنية لا تثبت إلا بالقرآن، وأن الوجوب وجب بالسنة وأما الوقوف بعرفة فإنه مجمع عليه وينظر المراجع السابقة وخاصة بدائع الصنائع وأضواء البيان 245
المذهب الثالث: أن السعي تطوع وسنيته ثابتة بقوله تعالى: {مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} ولا شيء على تاركه وهو مروي عن الإمام أحمد وابن عباس وعروة وأنس وابن الزبير وبن سيرين ونقله الشوكاني عن أبي حنيفة.
واستدلوا بقوله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} وقالوا: إن الفعل من النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الوجوب (فتح القدير للشوكاني ج1 ص226) فما بعدها بالإضافة إلى المراجع السابقة.
والغرض هنا هو ذكر مذاهب العلماء في السعي بصرف النظر عن أي المذاهب أرجح، لأن الترجيح يحتاج إلى استقصاء للأدلة ومناقشتها.
الخاتمة - نرجو الله حسنها - في خلاصة ما توصل إليه البحث:
هو أنه مما تقدم من الكلام حول معنى تحقيق المناط وأمثلته وتطبيقه على زيادة المسعى والاستدلال من كلام العلماء الخ وبيان حكم السعي بين الصفا والمروة والمذاهب فيه ينحصر الأمر في زيادة المسعى في واحد من ثلاثة أمور لا رابع لها وهي:
الأول: أن تكون الزيادة بين الصفا والمروة فهي جزء من المسعى القديم ولا فرق وهذا ما ظهر لي بناء على ما تقدم من الأدلة وتحقيق المناط ولا إشكال إذا. الثاني: على وجه الافتراض أن تكون الزيادة خارجة عن الصفا والمروة، ولا علاقة لها بالمسعى فعندئذ يأخذ الحاج أو المعتمر بقول من يرى من ترك السعي عليه دم لأنه ترك واجباً وحجه وعمرته صحيحان أو يأخذ بقول من يرى انه تطوع لا شيء عليه.
الثالث: وهو أبعدها أن تكون الزيادة خارجة عن المسعى لا علاقة لها به، والسعي ركن لا يسوغ تركه ولا يجبر بدم فعندئذ يرجع إلى باب الضرورة وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها وأن الحاج والمعتمر إذا لم يجد سبيلا إلى السعي بين الصفا والمروة فإما أن يسقط عنه، كما تسقط العبادة عند العجز عنها كأركان الصلاة ونحوها أو نقول له: مادامت زيادة المسعى متصلة بالمسعى القديم فتأخذ حكمه كما يأخذ الشارع حكم المسجد في صلاة الجمعة مع أنها لا تصح إلا في المسجد ولكن إذا امتلأ المسجد صحت صلاة الجمعة في الطرقات المتصلة بالمسجد والله أعلم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.