ونحن نتوجه في صلاتنا لله نحو الكعبة، وفي دعائنا نرفع أيدينا نحو السماء؛ فالكعبة هي قبلة صلاتنا، والسماء هي قبلة دعائنا؛ فلا الكعبة ولا السماء انحصر الله فيهما.
وقد قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (ج5 /ص22): [في شرح حديث الجارية ما نصه: كان المراد امتحانها هل هي مؤمنة موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده، وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرا في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين. أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم فلما قالت: في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان].
وقد جاء في فتح الباري (ج13/ص402).
[قوله صلى الله عليه وسلم للجارية أين الله قالت في السماء فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في التعطيل لقصور فهمها عما ينبغي له من تنزيهه مما يقتضى التشبيه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا].
فجواب الجارية إن كان بالإشارة أو بترجمة الإشارة إلى قول لا يعقد عليه تحديد وجود الله في السماء، وكان اختبارًا خاصًا لمن لا يستطيع النطق أو الإفصاح عما في قلبه من الاعتقاد.
وفي باب الحديث عن سؤال الجارية يستحضر قوله تعالى: (ءأمنتم من السماء أن يخسف بكم الأرض) لتقوية أن الحديث يؤخذ على ظاهره.
فقد فسر أن المقصود "من في السماء" عند بعض المفسرين؛ بالله عز وجل ... وفي هذا التفسير نظر؛
- أن "في" تفيد الظرفية، والله تعالى غير مظروف، فقد كان ولم يكن مع شيء، ثم أوجد السموات والأرض بمشيئته سبحانه وتعالى ... وفي ذلك تجسيد لله، وأن الله عز وجل هو دونها ... تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
- أن "مَن" تدل على المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، وبالقرينة يحدد المقصود، وهذا لا يصلح مع الله تعالى.
أن " مَن" تستعمل للدلالة على العاقل، أو تختص بالعاقل؛ وهي تأتي اسمًا موصولا؛ كما في قوله تعالى: (ولله يسجد مَن في السموات ومَن في الأرض)؛ أي الذي في السموات والذي في الأرض، وفي السموات والأرض العاقل وغير العاقل، وتأتي شرطًا؛ كما في قوله تعالى: (ومَن يعمل من الصالحات وهو مؤمن)، فمنهم من يعلم الصالحات عن إيمان وبغير إيمان، ومنهم لا يعمل الصالحات، وتأتي اسم استفهام؛ كما في قوله تعالى: (قالوا مَن فعل هذا بآلهتنا) .. وسؤالهم كان عن فرد هو واحد منهم .. فـ"مَن" بفتح الميم تستعمل مع التبعيض كما أن "مِن" بكسر الميم حرف جر للتبعيض .... والله تعالى لا يصح أن يكون بعضًا من السماء أو بعض من في السماء.
- أن "مَن" دلت أيضًا على غير المذكور، لاحتمال أن يكون واحدًا منهم، فساوت بينهم، أو هناك مثله في مكان آخر، فحدد هو بهذا المكان، وهذا لا يصح مع الله تعالى.
أن "مَن" تدل على نكرة، والله تعالى لا يصح أن يكون نكرة في أي حال من الأحوال.
فـ"من في السماء" ليس لها تفسير إلا بالملائكة الذين يكلفهم الله تعالى بالعذاب متى شاء، وفي قصة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الطائف أنه نزل مع جبريل ملك الجبال يعرض عليه إطباق الأخشبين (جبلي مكة) على أهل مكة، وفي قصة هلاك قوم لوط؛ جاءت ملائكة ففعلت بهم ما فعلت؛ فجعلت عالي القرية سافلها ... فالمقصود في هذه الآية الملائكة .. ولا يصح أن يكون الله عز وجل هو المقصود فيها.
فلا استدلال بهذه الآية على الأخذ بظاهر جواب جارية أعجمية يدل حالها على أنها خرساء؛ لعدم معرفة صاحبها حالها مع الإيمان .. وأنها قادرة على فهم القول كان كلامًا أو إشارة، لأنها أدت إجابة بعد السؤال. ولو كانت في حال تنطق فيه بكلام مبين لما قبل منها غير النطق بالشهادتين .. ودلت القصة على أنها غير مكلفة شرعًا لعلة فيها تدل عليها القصة فقبل منها إيمان من أن تكلف.
والله تعالى أعلم.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
ـ[محمد براء]ــــــــ[20 Jul 2008, 03:46 م]ـ
سامحك الله ..
فهذا الحديث لا زال السلف وأهل السنة يستدلون به على علو الله تعالى وفوقيته .. ويأخذون بظاهره ... لا يتأولونه تأويلات أهل الباطل ..
وليس المراد بظاهره ما ذكرته من كونه (مظروفاً!). انظر: «الفتوى الحموية الكبرى» ص528 - 531.
ولله در ابن القيم حين قال:
¥