تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن تلك الأخطاء المزعجة لديه أيضا قوله إن "الإنجيل ليس بالكتاب المنزل على شكيلة القرآن" (ص30. وقد تكررت مرة أخرى ص316، وكذلك عدة مرات فى الجزء الأول من الكتاب). ولا أدرى من أى وادٍ التقط "شَكِيلة" هذه، فالعرب إنما تقول: "شاكلة" كما فى القرآن مثلا: "قل: كلٌّ يعمل على شاكلته" لا "على شكيلته". أما إذا كان هناك كاتب أو شاعر عربى ممن تؤخَذ عنهم اللغة قد استعمل تلك الكلمة فلسوف أرجع عما قلته هنا، وأشكر من أرشدنى إلى ما كان غائبا عنى. وكان هشام جعيط، قبل ذلك فى الصفحة السادسة، قد ضبط الفعل الماضى: "بطل" بضم الطاء (هكذا: "بَطُلَ") غير دارٍ أن ضم الطاء يقلب معنى الفعل من البطلان إلى البطولة. وفى القرآن المجيد نقرأ قوله عز شأنه عن التقام عصا موسى لحبال سحرة فرعون: "فوقَع الحقُّ وبَطَلَ ما كانوا يعملون" (الأعراف/ 118). وكان يمكن أن يسكت صاحبنا "الهاجيوغرافيكالى" فلا يتعرض للفعل المذكور بضبط ولا ربط، لكن القدر أراد أن يكشف مقدار ما عنده من علم فوسوس إليه الشيطانُ أن يتحذلق فتحذلق، فكان ما كان.

والآن إذا كان هذا هو أسلوب هشام جعيط فى العربية فكيف يكون أسلوبه فى الفرنسية، التى ذكر فى مقدمة الجزء الأول من الكتاب، وعنوانه: "الوحى، القرآن، النبوة"، أنه فكر فى بداءة الأمر أن يؤلفه بها لكنه سرعان ما عدل عن تلك الفكرة؟ (ط2/ دار الطليعة/ بيروت/ مايو- أيار 2000م/ 7). الحمد لله أن دكتورنا "الهاجيوغرافيكالى" قد ثاب إلى رشده وصاغ كتابه بالعربية، فـ"نصف العَمَى ولا العَمَى كله" كما يقول المثل الشعبى!

وأطرف ما فى الموضوع أن السبب الذى حدا به إلى التفكير فى وضع الكتاب بالفرنسية هو أن "العربية فقيرة جدا فى كل ما هو مصطلحات فى الفلسفة والعلوم الإنسانية التى انتشرت فى الغرب لكثرة استعمالها وكثرة استيعابها" كما يقول! أرأيت كيف تتباهى القَرْعاء التى ليس لها شعر بجمال شعرها رغم ذلك بدلا من أن تكفأ على الخبر ماجورا ولا تفضح نفسها؟ اللغة العربية إذن فقيرة، وفقيرة جدا، ولا تستطيع استيعاب ما فى ذهن سعادته من أفكار ومصطلحات! واضح يا دكتور! واضح جدا! الحق أنك تذّكرنى برجل صرعه غريمه على الأرض وبرك فوق صدره وأشل حركته فلم يعد يستطيع أن يفلفص منه وضاعت كرامته تماما بعد أن حطه تحطيما، إلا أنه مع ذلك كله لا يكف عن الصياح طالبا من المشاهدين الذين انفضح أمامهم أن "يشيلوا من فوقه" ذلك الغريم حتى يتمكن من ضربه! ولكن الدكتور يعرف رغم هذا مستواه الحقيقى فى القدرة على التعبير بالعربية فنراه يلمح إلى أن كتابات أمثاله بالعربية فى هذه الحالة عرضة لأن تكون مبهمة وأن يسمها القراء بأنها أجنبية، إلا أنه يسارع مؤكدا أن ذلك ليس من العيب فى شىء (ج1/ ص8). طبعا، فأنت رجل لا تعرف العيب!

ومن تلك الأخطاء التى لا يقع فيها طالب مبتدئ، فضلا عن أستاذ جامعى لا يعجبه العجب ويدخل علينا وقد فتح صدره مثل "شجيع السِّيمَا، أبو شَنَب بَرِّيمة" وكأنه سيفتح عكا، قوله عن الرسول: "فكَوْنُ أبوه مات وأمه حامل به يصعب قبوله" (ص146)، جاهلا أنها "أبيه" لا"أبوه" لأنها مضاف إليه. ومن ذلك أيضا قوله: "بقدر ما كانت مكة ضيقة فضائيا بقدر ما اتسعت بكثرة وكثافة سكانها" (ص161، وانظرص213، وكذلك ص41 من الجزء الأول)، مكررا كلمة "بقدر ما" فى هذا التركيب غير دارٍ أنها لا تكرر، بل الصواب أن يقال مثلا: "بقدر ما كانت مكة ضيقة فضائيا كانت متسعة بكثرة وكثافة سكانها". وأمثاله ممن لا يعرفون كيف يتعاملون مع اللغة يكررون أيضا كلمة "كلما" القريبة فى المعنى فيقولون مثلا: "كلما عملتَ ساعات أطول كلما كسبتَ مالا أكثر"، قياسا غبيا على التركيب الإنجليزى والفرنسى التالى: " The more one has, the more one wants\ Plus on a, plus on désir avoir"، وكأن العرب لم يكن عندهم هذا التركيب قبل الإنجليزية والفرنسية بأحقاب وأحقاب. ولقد وجدتُ أيضا كلمة "كلما" مكررة عنده مع فعل الشرط وجوابه فى الصفحة 45 من الجزء الأول، إذ قال: "كلما تقدم الزمن كلما تضخم دور الحديث فى التشريع".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير