تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جنونىٌّ بكل يقين، إذ معناه أن البشرية إنما تلعب الآن فى الوقت الضائع وأن حَكَم المباراة سيطلق صفارة النهاية بين لحظة وأخرى لينفض السامر ويذهب كل حى إلى حال سبيله. ترى أين ينبغى أن نضع هذا الكلام "الهاجيوغرافيكالى"؟ الحق أن مكانه هو أقرب مزبلة!

وبعد هذا كله نجده ينتقد كثيرا من كتابات المستشرقين فيرمى بعضها بأنه ليس من العلم فى شىء (ص11)، وينبز بعضها الآخر بالعدوانية (ص13)، ويحكم على بعض ثالث بأنه لا يمثل "سوى عدم الشعور بالمسؤولية العلمية" والانفلات من العقال والابتعاد عن الصرامة المنهجية التاريخية (ص14)، وهو ما يحير الباحث المسكين من أمثالنا غير "الهاجيوغرافيكاليين" فلا ندرى أنغلق الشباك الاستشراقى أم نفتحه. حيرك الله يا دكتور جعيط كما حيرتنا ودوختنا وراءك "السبع دوخات" دون أن تستقر بنا على حل!

وعودةً إلى ما زعمه عن الآية المذكورة نقول إن المضحك فى الأمر هو ترديده لزعم عدم اتساق عبارة الشورى مع سياقها بثقة من يفقه العربية ويستطيع تذوق أساليبها فيعرف ما يتسق منها وما لا يتسق، على حين أنه فى الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك تمام البعد. عشنا وشفنا واحدا ركيك العبارة كهشام جعيط يفتى فى القرآن فينفى من نصوصه ويثبت، وعنده أم الكتاب. فسبحان أبى جهل! يا رجل، عيبٌ ما تفعل. اذهب أولا فتعلم لغة القرآن، ثم تعال بعد ذلك واجلس منه مجلس التلميذ "الذكى" الذى يريد أن يزداد من العلم لا أن يتمرد حتى يرضى عنه قوم آخرون لعنة الله عليهم وعلى من يصيخ السمع إليهم ويعمل على إرضائهم ويفرح بما يقولونه فيه رغم أن ما يقولونه ليس إلا الجهل والخبث بعينه يُثْنُون به على تابع لهم ينعق بما ينعقون به لا يخرج عنه، وإن كان ينعقه أحيانا بطريقة تبدو مختلفة، إذ يرسمون له خطوطها العامة ويتركون له التفاصيل. واضح، يا دكتور جعيط، أن كلامك فى أول الفصل عن وجوب وزن الروايات التاريخية جيدا والترجيح بينها فى تجردٍ من الهوى هو مجرد كلام لم تنتفع أنت به، بل كنت أول من أدار له ظهره من الناس ولم يمر على قولك إياه إلا ثوانٍ ليس إلا. ويزيد الأمر فداحة أنه ليس أمامنا فى الآية المذكورة إلا رواية واحدة، وهو ما يعنى أنك قد اختلقت المخالفة هنا اختلاقا، ولم يكن رأيك مبنيا على موازنتك بين روايتين أو أكثر والترجيح بينهما واختيار واحدة دون الأخرى بناء على ما أداك إليه عقلك وتفكيرك، بل هو مجرد نقل لما قاله بلاشير مع تتبيله بالشطة السودانية الحراقة.

وبالمثل فقوله إن من المحتمل أن تكون بعض الآيات القرآنية قد كُرِّرَت على سبيل الخطإ ليشبه ما قاله الشيخ أبو بكر حمزة، الجزائرى الذى كان شيخا للمعهد الإسلامى التابع لمسجد باريس والذى ترجم القرآن الكريم إلى لغة الفرنسيس، حين وقف إزاء الآية رقم 52 من سورة "الأنفال" وكأنها معضلة مؤرقة تطير النوم عن جفنيه مدعيا أنها ليست سوى تكرار للآية التى قبلها بآية، وأن جامعى القرآن على عهد عثمان رضى الله عنه قد وصلتهم روايتان مختلفتان لآية واحدة، فلما لم يستطيعوا أن يحددوا أيتهما هى الصحيحة، وأيتهما هى الخاطئة، اضطروا إلى إثباتهما معا فى المصحف وخرجوا بذلك عن العهدة ( Le Cheikh Si Boubakrur Hamza, Le Coran- Traduction Nouvelle et Commentaires, Fayard-Denoel, Paris, 1972, T. 1, PP. 361- 362، بالهامش). وهو كلام كاذب لأنه ليس ثمة أحد قال بوجود روايتين مختلفتين هنا لآية واحدة، بل هو ادعاء ساقط من عنديات شيخنا الهمام كادعاءات جعيط، فضلا عن أن الآية الثانية ليست تكرارا للأولى بأى حال، وفضلا كذلك عن أن القرآن ملىء، ككثير جدا من النصوص العلمية والأدبية والمقدسة، بالجمل والعبارات المتكررة، فلماذا هذه من دون مثيلاتها جميعا هى التى أسهرت ليالى أبو بكر حمزة وجعلته يقضى عمره يتقلب على فراش الشوك لا يستطيع أن يهنأ بغمض جفنيه ولو لحظة؟ إنها ذات الخطة. نعم إنها ذات الخطة حتى يبتلع القارئ المسكين السم المدسوس فى العسل ويتوهم أن المترجم المخلص الأمين قد بذل كل جهده لحل المشكلة عبثا وأنه حين قال ما قال لم يكن أمامه إلا هذا. وإلا فلماذا لم يقل ذلك فى غيرها من الآيات المشابهة والمتطابقة؟ إنها طبعا الأمانة العلمية ولا شىء غير الأمانة العلمية. ويمكن القارئ أن يعود إلى ما كتبته تفصيلا فى هذه النقطة فى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير