تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القرآن فيها بعض العبارات أو أضيفت إليه بعض العبارات الأخرى أو كُرِّرَتْ على سبيل الخطإ بعض الآيات أيضا كما ذكر هو نفسه (نفس الموضع السابق). وهنا الخطر كل الخطر، إذ يكفى أن نفتح الباب حتى لو كان مجرد مواربة، فالمهم أنه لم يعد محكم الإغلاق بحيث يكون من السهل بعد هذا دفعه دفعة بسيطة كى ينفتح على مصراعيه، بخلاف ما لو ظل مغلقا بالترابيس المحكمة التى لا تسمح لأحد أن يفتحه. نعم هذا هو المخطط! وأظن القارئ قد فهم عنى دون حاجة إلى أن أعاود الشرح!

وقد سبق إلى ذهنى، قبل أن أتنبه إلى أن من بين مراجع د. جعيط ترجمة بلاشير للقرآن، أن يكون قد أخذ كلامه عن الآية من ذلك المستشرق الذى خصصت لترجمته فصلا فى الباب الأول من كتابى: "المستشرقون والقرآن" ووقفت إزاء هذا الزعم الأحمق عنده مرات مبينا ما فيه من سخف وضلال وبعد عن العلمية والموضوعية التى يتشدق بها مولانا المستشرق وأمثاله. ولهذا قمت الآن فأحضرت ترجمة بلاشير من الصوان القريب منى حيث أكتب هذه الدراسة، وفتحتها على الآية المذكورة فألفيته يقول إن الطبرى يفسرها بأنها تتحدث عن مشاورات الأنصار بخصوص هجرة النبى عليه الصلاة السلام إليهم والعيش معهم فى يثرب، ثم يضيف أن مثل هذا التفسير لا يتمشى مع السياق ( Blachère, Le Coran, Librairie Orientale et Américaine, Paris, 1957, P. 515, N. 36). وهذا ما قاله جعيطنا حَذْوَك النعل بالنعل، إلا أنه ككل تابع مخلص أمين فى تبعيته قد أضاف ما هو أشنع. ذلك أن بلاشير قد اكتفى بأن المراد فى الآية هو المشاورة اليومية فى كل مناحى الحياة لا فى أمر الهجرة فحسب، أما جعيطنا فأراد أن يكون كلامه من النوع الحراق المشطشط فأشار إلى عثمان ووصوله إلى الخلافة عن طريق الشورى. طبعا حتى يثبت لمتبوعيه أنه مخلص لهم وأمين وأنه يستحق الطنطنة التى يُحْدِثونها له يلفتون بها الأنظار إلى عبقريته التى لم تلدها ولادة؟

ولأنه عبقرى لم تنجب النساء مثله فهو ليس بحاجة إلى أن يقدم دليلا على ما يقول ولا أن يتجشم البحث عن حجة يسند بها هراءه هذا المتمخط، وإلا فلماذا لم يقل لنا كيف لا تتسق الجملة المذكورة مع السياق الذى وردت فيه؟ كنا نحب أن يكلف نفسه شيئا من التعب فيذكر لنا الحيثيات التى قال على أساسها ما قال. لكنه فى الواقع لا يعرف شيئا عما يهرف به. إنما هو كلام نقله من بلاشير، ثم أضاف إليه ما أضاف، وربما كان ما أضافه هو رأيا لمستشرق آخر لم يُكْتَب لنا أن نطلع عليه لأنه لم يسجله فى كتاب مثلا، بل اكتفى بأن ألقاه إلى صاحبنا وترك له مهمة نشره فى العالمين.

وحتى لا يظن أحد أننا نغالى بعض الشىء فى كلامنا عن هشام جعيط أرانى مضطرا إلى نقل عبارة له تكشف موقفه هنا بوضوح، إذ قال فى مقدمة الجزء الثانى من كتابه (ص8) إنه "لا معنى لانتقاد الاستشراق ما دام العرب والمسلمون لم يقوموا باستكشاف ماضيهم بأنفسهم باتخاذ المناهج المعترف بها عالميا"، وهو ما يعنى أنه لا بد أن نكون نسخة أخرى من المستشرقين، وإلا فليقل لى أحد كيف نصنع ما يطالبنا به جعيط، وبالشرط الذى اشترطه، إلا أن نكون نسخة أخرى منهم؟ أليسوا هم واضعى المناهج التى يصفها بـ"المناهج المعترف بها عالميا"؟ ويزيد الطينَ بلّةً قوله قبيل هذا عن العرب والمسلمين إنهم "أناس لهم عادةً رؤية مسبقة مستقاة من التربية الدينية ومن الجهاز الثقافى لكل فرد" (ص7)، بما يعنى أن هذه سمة من سماتنا نتميز بها عن غيرنا، وبالذات الأوربيون الموضوعيون المجردون من مثل تلك التأثيرات، مع أنه سرعان ما يقول عقب هذا إن الرأى العام الغربى، ومعه بعض المستشرقين، متأثر بتراث سلبى عن الرسول. إلا أنه يصف الغربيين رغم ذلك، وفى نفس الموضع، بأنهم هم الذين أسسوا العلم الحديث فى كل مكان وتقدم على أيديهم علم التاريخ تقدما بالغا. ثم تأخذه حالة الجلالة التى تعترى بعض الدراويش فيعلن بملء فيه، وبكل جسارة "هاجيوغرافيكالية" تليق به وبعبقريته الاستبصارية، أن أوربا فى العشرين سنة التى سبقت بداية القرن العشرين وتلك التى تلتها قد تم لها الانفتاح على كل شىء فى الحياة واستكشاف كل شىء تقريبا فى المعرفة والفن (ص10). ولم يفته، وهو يتطوح من الوجد "الهاجيوغرافيكالى" كأى درويش أصيل، أن يسمى تلك الفترة بـ"اللحظة المذهلة فى الحقيقة"! وهو كلامٌ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير