تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعنى ذلك لأن الناس يتزوجون عند البلوغ أو بعد ذلك بقليل. وهذه السن عالية نسبيا على أية حال، ويكتمل فيها نضح الإنسان. وبالتالى رأيى أن محمدا بُعِثَ فى الثلاثين أو حتى قبل ذلك، ولم يولد إلا حوالى 580م، ولم يعش إلا خمسين سنة ونيف" (143 - 144. والموضع الذى أشار إليه فى الجزء الأول من الكتاب هو ص119).

وأولا أحب أن ألفت النظر إلى الخطإ فى قوله: "لم يعش إلا خمسين سنة ونَيِّف وصوابه: "ونَيِّفًا" لانعطافها على الظرف المنصوب، وهو كلمة "خمسين (سنة) "، وكذلك إلى الركاكة العامية فى قوله عن الإسكندر إنه قد غزا العالم "فى سن ثلاثة وثلاثين". إن هذا كلام سوقى لا يصلح أن يقوله كاتب محترم. وكل من له أدنى تذوق للعربية يقول: "فى سن الثالثة والثلاثين"، أما ما قاله هشام جعيط فهو من كلام الشوارع العامى!

وثانيا لا بد من التنبه إلى أنه لن يترتب شىء على الإطلاق على كون النبى وُلِد فى هذا العام أو ذاك، فلماذا يرهق هشام جعيط نفسه إذن ويرهقنا ويزعجنا معه فى مخالفة ما هو مُجْمَع أو شبه مجمع عليه؟ إنها الرغبة فى إفقاد القارئ العربى والمسلم الثقة فى تاريخه وسيرة نبيه وقرآنه وعلمائه وكل تراثه. إنها الشهوة الجامحة الجاهلة فى خلخلة ما هو صُلْبٌ مستقرّ ثابت لا لكى يحرك الأذهان الجامدة كما سوف ينعق بما لا يفهم، بل لكى يترك هذه الأذهان وقد شكَّتْ فى كل شىء ورأت الضياع مكشرا عن أنيابه فى وجهها يريد أن يفترسها. الروايات، كما يقول، تُجْمِع (خذ بالك: تُجْمِع!) على كذا وكذا من الأمور، لكن علامتنا الفهامة يقول: طظ فى هذا الإجماع. والسبب؟ السبب هو أن له رأيا آخر. وعلام يستند رأى "أبِى رأىٍ" هذا؟ لا يستند إلى شىء. إذن فماذا نقول فى القرآن، وهو يقرر أن سن الأربعين هى سن تمام القوة والنضج؟ بسيطة! وهل جئتَ فى جمل يا رجل؟ نقول إن قراءة الآية غير صحيحة. لكن كيف؟ يا أخى، هذا أمر من التفاهة بمكان بحيث لا ينبغى لجلالته أن يشغل نفسه بها. وهل يليق بمن فى مثل مكانته جل جلاله أن يتنزل إلى مثل تلك الأشياء التافهة؟ وماذا يضير أن تكون الآية صحيحة القراءة أو خاطئتها؟ أرجو أن يلاحظ القارئ الكريم أن هشام جعيط ينكر صحة الروايات التى أجمعت، كما يقول، على ولادة النبى فى التاريخ الذى نعرفه، وأنه لا يستند فى هذا الإنكار إلى أى شىء سوى أنه يرى ذلك، وكأن الأمر هنا هو مجرد وجهة نظر طَقَّتْ فى دماغه دون سبب، وأنه لما رأى آية قرآنية تعترض طريقه المتعسف لم يجد أمامه شيئا يرد به سوى أن الآية خاطئة القراءة أو أى شىء من هذا القبيل. وهذا هو العلم الذى بشرنا به فى المقدمة زاعما أنه سيأتى بما لم يأت به الأوائل ولا الأواخر ولا الأواسط. طبعا لا يمكن أن يأتى عاقل يحترم نفسه ويحترم المنهج العلمى بمثل ما أتى به هشام جعيط. ذلك أن ما أتى به هشام جعيط ليس علما ولا منهجية، بل تطاولا وغلظ وجه! فمثل هذا الشخص حين يقال له: ما الدليل على أن رقم الأربعين رقم سحرى؟ أو من قال لك إن العمر هو الجيل؟ أو على أى أساس قلت إن الجيل هو ثلاثون عاما أو أقل؟ أو ما وجه الخطإ فى قراءة الآية؟ فإنه لا يقدم دليلا على ما يزعم! إنما هو كلام، والسلام، وكأننا فى مغالبة ومغايظة. وما هكذا يكون العلم ولا المنهجية التى يفلقنا هو وأمثاله بالثرثرة الفارغة المتنطعة حولها. وعلى هذا النحو لا يمكنك أن تمسك بشىء مما يقوله هشام جعيط لأنك تتعامل مع زئبقٍ رجراجٍ لا يستقر على حال!

وقد رجعت إلى"لسان العرب"، الذى اعتدَّه هو نفسه أحد مراجع السيرة المعتمدة (ص15)، لعلى أجد أن كلمة "العمر" تعنى الجيل من الناس كما يزعم صاحبنا "الهاجيوغرافيكالى" ولو على سبيل المجاز فلم أجد شيئا من ذلك التنطع السمج. وأزيده من الشعر بيتا فأقول له إن كلمة "جيل" لا تدل فى لغة القدماء على ما يقول، بل "الجيل" عندهم هو الصنف من البشر: فالصينيون مثلا جيل، والعرب جيل، والروم جيل، والترك جيل، أو هو كل قوم لهم لغة خاصة بهم. وواضح أن "الجيل" إنما يعنى شيئا قريبا من الشعب أو الأمة كما نعرفهما اليوم. ومعنى هذا أن الله قد ضرب على الدكتور جعيط الأسداد من كل جانب. إلا أننى لا أنتظر منه أن يفىء إلى الحق، وإن لم يكن ذلك على الله ببعيد، والله المستعان على كل حال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير