تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ترى ما مصلحة المسلمين فى أن يزعموا كلهم على بَكْرة أبيهم أن نبيهم إنما بُعِثَ فى الأربعين إذا كان قد بُعِث فى الثلاثين؟ أو ترى ما الخوف الذى دفعهم جميعا من هاشميين وأمويين ومنافقين ومرتدين، ومن مكيين ومدنيين وطائفيين ويمنيين ونجديين وبحرانيين وعمانيين، ومن عرب وغير عرب، على مر القرون إلى تغيير تاريخ البعث الحقيقى؟ ثم إن جعيط قال إن سن الثلاثين هى كذلك ذات طابع سحرى، ومع ذلك يقول إنه عليه السلام قد بُعِثَ فى سن الثلاثين. فلماذا كانت حلوةً منه، ومُرّةً من الأقدمين؟ العلة تكمن فيما قلته قبل قليل من أن مراده هو خلخلة الثقة ونسف الاطمئنان إلى أى شىء يتعلق بديننا ورسولنا وقرآننا وتراثنا، وكل شىء بعد ذلك يهون. ثم لماذا ينبغى ألا يولد النبى فى عام الفيل كما يقول؟ أهو ضد قوانين الكون؟ ألا يرى القارئ سخف منطق هذا الرجل؟ والمضحك العجيب أن ولادة النبى سنة 570م لا تجعل مجيئه إلى الدنيا متوافقا وعام الفيل حسب تحديده لتاريخ ذلك العام، الذى أكد أنه حل قبل ذلك بثلاثة وعشرين عاما، ومع هذا يصر على أنه صلى الله عليه وسلم لم يولد فى سنة 570م. أى أنه لن يرضى عن شىء ولن يسلّم بأى شىء مما أجمعت عليه الروايات حتى لو انطبقت السماء على الأرض! كذلك من أين له بأن سن الأربعين كانت فى ذلك الزمان سن شيخوخة؟ فليأتنا بأثارة من علم إن كان من الصادقين. ولا أظنه يريد أن يقنعنا بأن العرب فى ذلك الزمان كانوا إذا ما بلغ الواحد منهم الأربعين ينحنى ظهره ويشيب شعره ويهرم ويحال إلى الاستيداع، فينكفت فى كسر بيته قائلا: "هيه! يا للا حسن الختام! "، انتظارا لمجىء أحد العساكر ببندقيته ليطلق عليه رصاصة الرحمة كما يفعلون مع خيل الحكومة!

المعروف، بالعكس من ذلك، أن سكان البوادى كثيرا ما تطول أعمارهم أطول من سكان الحضر لهدوء حياتهم وبساطة أطعمتهم وابتعادهم عن الضغوط العصبية وعدم تعرضهم للملوثات الهوائية والمائية والطعامية والأمراض والأوجاع التى يصعب علينا الآن نحن أهل الحضر تجنبها تماما. وهو ذاته رغم كل الهلس والهجس الذى صدَّعنا به يقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنه عاش بعد المبعث عشرين عاما وهو فى كامل قوته ونشاطه. وهذا ينسف كل ما قاله، إذ ما دام الناس فى ذلك الزمان يشيخون بالسرعة التى ذكرها، وهى سن الأربعين، فكيف ظل شيخ كالنبى فى كامل قوته ونشاطه لمدة بضع عشرة سنة أخرى، أى منذ أن بلغ الأربعين بعد بعثته بعشر سنوات طبقا لحسابه الحلمنتيشى؟

ولأبى حاتم السجستانى كتاب مشهور عنوانه: "الوصايا والمعمَّرون" نقرأ فيه أن ثمة ناسا فى الجاهلية طالت أعمارها طولا شديدا حتى لقد تجاوز عمر البعض منهم ثلاثمائة سنة. ولست آخذ هذا على حرفيته، إلا أن تكرار الكلام فى هذا الموضوع يؤكد أن طول العمر فى تلك الأزمان كان أمرا صحيحا. وهناك من عاشوا فى زمن النبى أكثر من مائة عام، ولم يكونوا يثيرون استغراب من حولهم، ومنهم النابعة الجعدى، الذى أكتفى هنا بذكره لأن لى كتابا عنه وقفتُ فيه أمام مسألة السن هذه وناقشت بعض المستشرقين الذين أنكروا عليه طول العمر، وإن لم أذهب إلى المدى البعيد الذى ذهبت إليه بعض الروايات المغالية. بل إنّ تزوُّج الشيوخ وقتذاك بفتيات صغيرات كان أمرا مألوفا، ولو كانت الشيخوخة والعجز يبدآن فى الأربعين على ما يزعم الدكتور جعيط لما رأينا أولئك الشيوخ يجرؤون على الزواج فى تلك السن، فضلا عن أن تكون الزوجة فتاة شابة! بل لقد كان الشيوخ أقوى من كثير من شباب اليوم على تحمل ويلات الحياة ومشقاتها دون شكوى، وبخاصةٍ ويلات الحرب والجوع والعطش والسفر الطويل المرهق والعمل اليدوى المضنى. وما زلنا فى عصرنا هذا نسمع بناس قد تجاوزوا المائة، فما بالنا بتلك الأزمنة؟ وفى موسوعة جينيس العالمية للأرقام القياسية نقرأ أن فى العصر الحديث من عاش 122 سنة و146 يوما، وهى جين لويز كالمون ( Jeanne Calment)، الفرنسية التى عاشت من 12 فبراير 1875م إلى 4 أغسطس 1997م.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير