تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والجنون شعرة هو رأى صحيح، حتى قرأتُ هذا الكلام فرأيتُ كيف أن عيار العبقرية قد يزيد حبتين فينقلب جنونا خالصا لا أمل فى الشفاء منه ولو أحضروا لصاحبه خيرة النطاسيين والمعالجين النفسانيين ومحضِّرى العفاريت وكاتبى الأحجبة والمعزِّمين! بالله متى كان علىٌّ يقود الجيوش فى العراق عند وفاة النبى؟ وبأية أمارة كان هذا يا ترى؟ لقد كان، رضى الله عنه وكرَّم وجهه، آنذاك فى المدينة مع غيره من أقارب النبى مشغولا بتغسيله وتكفينه ودفنه صلى الله عليه وسلم، ولم تكن هناك جيوش إسلامية فى أى مكان فى ذلك الحين، اللهم إلا جيش أسامة بن زيد، الذى كان قد تم تجهيزه للذهاب إلى حدود الشام، إلا أن موت النبى عليه الصلاة والسلام قد أوقفه إلى حين. وبالنسبة للعراق بالذات لم يحدث أن وطئه حتى ذلك الحين أى جيش مسلم، بل لم يحدث أى تفكير فى إرسال قوات إلى حدوده مع جزيرة العرب فى عهد النبى قط. أما أنه عليه السلام كان يصدر أوامره إلى المسلمين إلى ما بعد وفاته بعد عقود فليقل لى القراء الكرام: كيف كان هذا؟ ومن يا ترى قاله سوى هذا المخبول؟ يقينا أن قائل هذا الكلام ليس له مكان يصلح له إلا الخانكة أو العباسية خَبْطَ لَزْقَ دون إبطاء أو تأخير، لا للمسارعة بتدارك حالته، فهى كما قلنا حالة ميؤوس منها، بل لحماية الناس من خطره، فلربما أقدم على عمل متهور يعرِّض الأمن العامّ للخطر (أو بتعبير الخفراء عندنا فى القرية: "الإِمْن العامّ" بكسر الهمزة، كَسَّر الله ضلوعه كلها ضلعا ضلعا حتى يهمد ويريحنا من هذه الدوشة الكذابة التى يزعجنا بها مثلما تزعجنا دوشة نباح الكلاب بالليل حين تكون فَاضِيَةً لا عمل لها!) فيعضّ طفلا من رجله أو يهارش كلبا ويدميه فينشب فيه الكلب الآخر مخالبه وتصير معركة كلابية حامية وتصبح مشكلة ونقول ساعتها: يا ليت الذى جرى ما كان!

وهذا الرجل يترك حقائق التاريخ ويذهب فيفترض أشياء لا يمكن أن تكون صحيحة أبدا ثم يبنى فوقها ما يريد الوصول إليه من نتائج يرى أن من شأنها التشكيك فى تلك الحقائق التاريخية. فعلى سبيل المثال فمكة عنده كانت، فيما يبدو ("فيما يبدو": لا حظ!)، حيًّا من أحياء دمشق، لكن لماذا؟ الجواب، حسبما يقول، هو أن كلمة "مكة" تعنى بالآرامية: "مدينة منخفضة". ثم يمضى مؤكدا "أننا الآن قد أصبحنا نعرف أن المسلمين الأوائل، شأنهم شأن القَرَائين الأوائل (جمع "قرآن")، تم اختراعهم فى الشام، وليس فى جزيرة العرب:" Le mot: la mecque est faraméen syrien, et signifie ville basse, désignant probablement un quartier de Damas. On sait maintenant que les premiers musulmans, comme les premiers corans, et la vie de Mahomet, furent inventés en Syrie, et non en Arabie...La Mecque n'existait pas, car on n'a jamais vu des milliers d'habitants s'installer dans un désert aride sans eau ni cultures".

خلاص: لقد أبرم سيادته التاريخ إبراما وأصدر فرماناته بأن مكة ليست من مدن جزيرة العرب بل من مدن الشام! ولا يستطيع المتضرر أن يلجأ إلى أى قضاء بعد هذا القضاء المبرم الذى قضاه صاحبنا! فانظر بالله عليك أيها القارئ كيف يُكْتَب التاريخ، وكيف يريد بعض الناس أن يحكّموا أهواءهم المجنونة فى تغيير حقائقه، وكيف يريدوننا أن نتابعهم على هذا التنطع، وإلا كنا متخلفين! ناشدتكم الله يا قرائى الكرام، لو كانت مكة حيًّا من أحياء دمشق، فأين ذهب ذلك الحى؟ ولماذا سكت الدمشقيون عن هذا التزييف الجلف الذى لم يحدث مثله فى التاريخ، وبخاصة أنه يسلبهم الشرف المتمثل فى أن بلادهم هى مركز الإسلام ومصدره؟ وكيف صمت أحفاد القرشيين، والأمويون منهم بالذات، على ما قالته أقلام المؤرخين وكتب السيرة المزيفة عن أجدادهم وعن معاداتهم للدعوة الجديدة مما يشهّر بهم ويفضحهم فى كل أرجاء العالم؟ وأين ذهب الرومان الذين كانوا يحتلون بلاد الشام فلم ينبّهوا العالم إلى هذا التزييف الوقح الذى مارسه العرب والمسلمون، على الأقل من باب الانتقام والحرب المعنوية والدعائية بعد أن خسروا الحرب العسكرية والسياسية؟ ومعروف أن الشوام لم يسلموا كلهم، بل بقى منهم حتى الآن كثير من النصارى واليهود، فكيف يسكتون على مثل تلك الفعلة العجيبة، وهى فرصة لفضح هؤلاء الذين فتحوا بلادهم وأَتَوْهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير