تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعده؟ ترى لماذا لم يفتح أحد من هؤلاء فمه فيفضح المستور ويكشف الزيف والتزييف؟ وماذا نقول فى بطليموس الجغرافى اليونانى القديم الذى تكلم عنها وسماها "مَكُرَبا: Macoraba" ( كتاب وليم موير عن سيرة الرسول/ ص xc، ومادة " Mecca" فى الطبعة الأولى من " The Encyclopaedia of Islam")؟ وماذا نصنع مع ما قاله هيرودوت عن اللات، إحدى الآلهة الوثنية التى كان لها صنم فى كعبة مكة قبل الإسلام (وليم موير/ ص cii- ciii)؟ كذلك ما العمل إزاء ما ذكره الرحالة الأوربى بروس ( Bruce)، الذى زار بلاد الحبشة فى القرن الثامن عشر الميلادى من أن الأحباش يروون فى تواريخهم أن أبرهة قصد مكة ثم ارتد عنها لما أصاب جيشه من المرض الذى يصفونه بالجدرى (عباس محمود العقاد/ مطلع النور/ كتاب الهلال ديسمبر 1968م/ العدد 213/ 75)؟ وفضلا عن ذلك فثمة بحث لكرزويل الآثارى المشهور يرد فيه على كايتانى المستشرق الإيطالى وما يذهب إليه من إنكار بناء قريش للكعبة، ويؤكد أن ما وصلنا فى كتب التاريخ عن هذا الأمر صحيح لا شك فيه (العقاد/ مطلع النور/ 76). وهناك أيضا كتاب للمستشرق الهولندى دوزى يحاول أن يثبت فيه وجود بنى إسرائيل فى مكة خلال عصورها الجاهلية عنوانه: " Die Israeliten zu Mekka كما كتب فى نفس الموضوع المستشرق البلجيكى لامنس كتابا عنوانه:" Les Juives à la Mecque". ولم نسمع بأحد سواهما من المستشرقين أو غير المستشرقين ممن يؤبه بكلامهم أو لا يؤبه يقول إن مكة لم يكن لها فى إقليم الحجاز أثناء الجاهلية وجود!

ثم لماذا يفعل العرب بعد الإسلام هذا كله؟ وهل يُتَصَوَّر أن يفكر الحكام العرب بعد الإسلام، وبعد أن أَضْحَوْا يسبحون فى بحور الغنى والترف، فى إنشاء مدينة مثل مكة فى قلب الجبال والصحراء حيث يشحّ الماء (على أساس أن زمزم غير موجودة بناء على فرضيتة الطبيب الفرنسى الرذيلة مثله) وحيث تنعدم الزراعة والصناعة؟ ثم كيف يَرْضَوْن بعد ذلك كله، وهم المسلمون، أن يُنْسَب لآبائهم زورا وبهتانا أنهم كانوا مشركين يعبدون الأصنام والأوثان وأنهم حاربوا القرآن والرسول الذى أتاهم به وحاولوا القضاء عليه وعلى دعوته، بل وصل الأمر بهم أن فكروا يوما فى قتله والتخلص منه غدرا وغيلة؟ ومن المجنون الذى سولت له نفسه بالانتقال إلى مثل تلك المدينة دون أن يكون هناك جاذب من أى نوع يَهْوِى بفؤاده إليها حتى ولا ذكريات الطفولة والصبا فيها وكونها موطن الأجداد؟ باختصار لا يوجد سبب واحد، كما رأينا، يجعلنا نصدق هذا الهراء الجنونى، فى الوقت الذى تتضافر كل الدواعى لرفضه والسخرية من عقل صاحبه.

ونفس الشىء الذى قاله مخبولنا عن مكة نجده فى كلامه التالى عن يثرب، إذ يقول:" Le mot medina (s'écrivant mdn) est un mot araméen syrien, et signifie district, dans la région de Madian (s'écrivant aussi mdn) en Syrie". وكما قضى قضاءه المبرم فى أمر مكة فحكم عليها أن تكون شامية لا عربية، ومُحْدَثة النشأة بعد الإسلام لا عريقة الجذور قبله، نراه هنا كذلك يصدر حكمه الذى لا يُصَدّ ولا يُرَدّ بأن المدينة هى أيضا ذات أصل شامى، وأن اسمها آرامى! ونفس الردود التى أوردناها عليه فى تخريفاته الرقيعة عن مكة تكفى فى الرد على تخريفاته هنا التى لا تقل عنها رقاعة! ونزيد على ذلك أن بطليموس وإسطفانوس البيزنطى قد كتبا عن المدينة وسمياها: " Yathrippa: يثربَا"، كما تشير إليها النقوش المعينية باسم "يثرب" (مادة" Al- Madina" فى " The Encyclopaedia of Islam").

وبالإضافة إلى هذا فإن ثمة كتابات يهودية شامية من القرن الثالث قبل الميلاد تتحدث عن وجود يهود فى منطقة خيبر وما حولها، وإن أنكرت عليهم طريقة ممارستهم لدينهم (إسرائيل ولفنسون/ تاريخ اليهود فى بلاد العرب فى الجاهلية وصدر الإسلام/ لجنة التأليف والترجمة والنشر/ 1927م/ 13)، وهو ما يتسق مع ما يقوله المسلمون عن وجود يهود قبل الإسلام فى تلك المناطق بما فيها يثرب، هؤلاء اليهود الذين لم يعد لهم أثر هناك بعد ذلك، فما الذى يدفع المسلمين يا ترى إلى القول بأنه كان هناك قبل الإسلام وجود لليهود فى يثرب إذا لم يكن لهذه المدينة وجود فعلى حسبما تزعم تخريفات الطبيب الفرنسى؟ وثمة كتاب للعالم الغربى لِسْزِينْسِكى يتناول وجود اليهود فى المدينة قبل الدعوة المحمدية اسمه:" Die Juden zu Medina". كما يتحدث إسرائيل ولفنسون الباحث اليهودى فى كتابه السالف الذكر عن وجود اليهود فى يثرب وما حولها حديث الموقن تمام الإيقان، مُورِدًا أقوال المستشرقين فى ذلك، ومستدلاًّ من بعض أسماء القبائل والشخصيات والأماكن والحصون والآبار اليهودية على سبيل المثال على أن ما يقوله العرب عن هذا الموضوع صحيح (16 - 17، 61 - 62، 81 ... )، فضلا عن أنه لا ينكر شيئا البتة مما تقوله المصادر الإسلامية عن الحوادث التى جرت هناك بين النبى عليه الصلاة والسلام وبين بنى إسرائيل عليهم اللعنة. وما هذا، رغم ذلك كله، إلا غَيْضٌ من فَيْض!

وبعد، فإن هشام جعيط هو مثال صارخ من أمثلة كثيرة تحاصرنا من كل ناحية على البكش العلمى الذى تُقْرَع الطبول له وتُنْفَخ المزامير للفت الأنظار إليه وإلى صاحبه وإيهام الناس أنه عبقرى ليس كمثل عبقريته شىء، وما هو فى الواقع سوى كاتب متواضع القيمة، إلا أن آلة الإعلام الجهنمية تعمل بكل وسيلة على تضخيمه وتصويره للمشاهدين على أنه عملاق كى ينشر الهلس الذى ينشره فيظن القراء أنهم بإزاء كاتب نحرير ذى علم غزير ومنهج قدير، مع أنه فى واقع الأمر كائن مسكين طبقا لما رأيناه عليه فى أسلوبه وأفكاره ومنهجه ليس فى جَعْبته إلا كل رأىٍ فطير. والله المستعان!

[email protected]

http://awad.phpnet.us/

http://ibrahimawad.com/

http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير