تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تضع به النقط على الحروف كما يقال بحيث تعرف تلك الأجيال أن الحكاية لم تكن كلها سبهللا ومفتوحة على الباهلى، بل كان هناك رجال جادون لا يرضَوْن بهذه الميوعة الفكرية المتنطعة التى تنقل نقل القرود ما تقرؤه أو تسمعه فى بلاد الغرب من تخبطات فكرية عن عمد وسبق إصرار، وأن هؤلاء الرجال لم يكتفوا بالرفض الصامت، بل كتبوا وصنفوا وتركوا للآتين من بعدهم رأيهم واضحا بينا لمن يريد الاهتداء إلى الصراط المستقيم؟

قلت: أَوَتقصد أن أكتب رأيى فى موضوع ذكورية اللغة؟

قال: نعم.

قلت: الأمر أبسط مما قد يُظَنّ، ولا تحتاج القضية إلى حذلفات، بل كل ما علينا أن نفعله هو أن ننظر فى أوضاع اللغة ونظامها وإبداعاتها لنرى مدى صدق أو كذب هذه الدعوى، ولسوف يأتيك الجواب سريعا.

قال: فلتبدأ إذن على بركة الله غير مأمور.

قلت: لننظر أولا فى المفردات، ولنر هل ثم ما يشير إلى أن فيها انحيازا للرجل على حساب المرأة. ترى هل هناك أشياء أو أحوال أو أمور تتصل بالمرأة قد تجاهلتها اللغة على حين اهتمت بنظيراتها عند الرجل؟ لا بكل يقين، فإن اللغة لم تترك شيئا يتعلق بالمرأة إلا وذكرته، كالأعضاء والأحوال التى تختص بها دون الرجل أو تغلب عليها مثلا، كالفرج والرَّحِم والحيض والنِّفَاس والخُلْع والعِدّة والحمل والولادة والرضاعة والسِّوَار والعِقْد والقُرْط والضفيرة والجارية والضَّرّة. كما خصصت اللغة ضمائر وصيغا للمؤنث مثلما فعلت مع المذكر. فهناك مثلا ضمائر للتأنيث مثلما هناك ضمائر للتذكير، فنقول: أنتَ وأنتِ، وهو وهى، وهم وهنّ، وإياكَ وإياكِ، وإياه وإياها، وإياهم وإياهن ... والشىء نفسه قل فى تصريف الأفعال، فلدينا مثلا فَعَلَ وفعلتْ، وفعلا وفعلتا، وفعلوا وفعلن، ويفعل وتفعل، وتفعل وتفعلين، وتفعلون وتفعلن، ويفعلان وتفعلان، ويفعلون ويفعلن، وافعل وافعلى، وافعلوا وافعلن ... وما من شىء من الأسماء يعم الذكور والإناث إلا وجدت له صيغتين، واحدة لكل منهما: فهناك إنسان وإنسانة، وحمار وأتان، وجميل وجميلة، وعطشان وعَطْشَى، وأبيض وبيضاء ... أما ما انفردت به المرأة فإن اللغة تكتفى فى هذه الحالة بصيغة واحدة، مثل امرأة طالق، وحامل، ومرضع، وكاعب، وناشز.

وكما هو ملاحظ فقد استخدموا لها هنا الصيغة التى تستخدم للرجال، وهو ما يدل على أنه لا يوجد أى انحياز ناحية الرجل بناء على أنه أفضل من المرأة، وإلا لأصرت اللغة على استخدام صيغة التأنيث باعتبارها صيغة دونية. ليس ذلك فقط، بل ما أكثر الصيغ الاسمية المؤنثة التى استُخْدِمَتْ للرجال، مثل معاوية وسَمُرة وحمزة وعُمْدة ... وفى هذه الحالة فإننا نجمعها جمع الألف والتاء كما نصنع مع أسماء الإناث بلا أية حساسية. بل إن اللغة حين تريد أن تبالغ فى تسمية الرجال ووصفهم فإنها قد تعمد إلى صيغ تأنيثية فنقول: هُمَزَة وضُحْكَة ورَحّالة وتِلْعابة وتِلْعيبة، ولا يجد الرجال فى ذلك ما يشينهم، وإلا ما رَضُوا به وأقروه. ويشبهه استعمالنا فى بعض الأحيان صيغة "مفعال" التذكيرية للمبالغة فى وصف المرأة، مثل مِعْطار، ومغناج، ومذكار، ومئناث. فأين الذكورية هنا؟ ومثل ذلك الأعداد، فكل الآحاد منها تقريبا تؤنث مع المذكر، وتذكر مع المؤنث، فنقول: ثلاثة رجال، وعشر نساء. ولو كانت اللغة تنظر إلى المرأة نظرة الضيق والاحتقار لما جعلتها تتبادل والرجل مكانيهما، وإلا عُدَّ هذا مهينا للرجل. ومثل ذلك أيضا استعمال تاء التأنيث التى تدخل على آخر الفعل الماضى وأول المضارع، إذ من الممكن فى معظم الحالات استعمالها لجماعة الرجال، وإسقاطها مع جماعة النساء، فنقول: قالت العرب، أو تقول الفلاسفة، وقال النسوة، أو يقول الفتيات ... ومرة أخرى ليس ذلك فقط، فإن اللغة حتى فى المصادر والممنوع من الصرف والجمادات لم تنحز للرجل فى أى شىء، وإلا لجعلت كل المصادر مذكرة. لكننا ننظر فنرى أن الأمر قائم على التقسيم بين الجنسين، ومن ثم كان لدينا فى المصادر صيغ التذكير والتأنيث معا، مثل: العمل والمرة والهيئة، والإرشاد والإبانة، والتمزيق والتضحية، والجِدَال والمجادلة. وكذلك الأمر فى الممنوع من الصرف، فمنه المذكر، ومنه المؤنث كما هو معروف، إذ لدينا مثلا "عمر" و"معاوية" و"جورج" و"عطشان" فى ناحية التذكير، ولدينا "زينب" و"صحراء" و"حلوى" فى ناحية التأنيث. والأمر كذلك فى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير