تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وشىء آخر مهم شديد الأهمية، ألا وهو أن هناك كتبا فى تراثنا وفى أدبنا الحديث تختص بالنساء وحدهن، ومؤلفوها من الرجال، ولهذا دلالته التى لا تخفى، ولست أستطيع أن أذكر ما يماثلها للرجال. ومنها الكتب التى تتناول أخبار النساء وما إليها لابن الجوزى والسيوطى وأضرابهما من علماء الدين وغيرهم، وفيها يتناول مؤلفوها المرأة بالحديث عما يميزها عن الرجل وعما يُسْتَحْسَن أو لا يستحسن من صفاتها وطباعها وأخلاقها وعما تسببه للرجال من العشق والوله الذى قد يبلغ حد الجنون. ومن هذا اللون من الكتب أيضا ما كتبه داود الأنطاكى فى "تزيين الأسواق فى أخبار العشاق"، وابن حزم فى "طوق الحمامة"، والسراج القارى فى "مصارع العشاق"، والشهاب الحجازى فى "الكُنَّس الجوارى فى الحسان من الجوارى". وهناك من خصص لمن لهن مشاركة فى الأدب قسما من بعض كتبه ترجم لهن فيه كما صنع أبو الفرج الأصفهانى فى كتابه: "الأغانى"، ولسان الدين بن الخطيب فى كتابه: "الإحاطة فى أخبار غرناطة"، والدكتور مصطفى الشكعة فى كتابه: "الأدب الأندلسى" على سبيل المثال. وهناك من كسر كتابه كله على أدبهن، كما صنع المرزبانى فى "أشعار النساء"، والأصفهانى فى "الإماء الشواعر"، وابن طيفور فى "بلاغات النساء"، والمفجَّع البصرى فى "أشعار الجوارى"، والسيوطى فى "نزهة الجلساء فى أشعار النساء"، وبشير يموت فى "شاعرات العرب فى الجاهلية والإسلام"، وعبد البديع صقر فى "شاعرات العرب" ... وهكذا. ومن هذا ترى أن النساء، قبل ذلك كله، لم يجدن عائقا أمامهن إن أردن أن يخطبن أو ينظمن شعرا أو يضربن مثلا. والنتيجة التى لا مفر من الانتهاء إليها بعد ذلك كله هو أنه لا معنى لاتهام اللغة ولا أهل اللغة وآدابها بما يسمى: "الذكورية". ولست أقصد بهذا أن اللغة تنحاز إلى المرأة ضد الرجل، بل الذى أريد التنبيه عليه ولفت الأنظار إليه هو أنها ليست منحازة ضد المرأة. والحق أنها عادلة تنظر إلى الذكر بعين، وإلى الأنثى بعين، ولا تظلم أحدا منهما لحساب الآخر.

وهذا هو الأمر الطبيعى، فالمجتمعات البشرية تتكون من الرجال والنساء جميعا: لا الرجال وحدهم، ولا النساء وحدهن. ومن ثم فاللغة، وما اللغة سوى انعكاس للواقع، قد أعطتنا الصورة الصحيحة للمجتمعات البشرية من هذه الناحية. وكل قول آخر فإنما هو كذب وادعاء فائل لا ظل له من الحقيقة. وهذا بالنسبة للخبثاء الخطرين الذين يقودون، عن وعى بالتخريب والإفساد الذى يأتونه، الجموع الحمقاء الجاهلة التى تردد ما تسمعه دون أن تتركه يمر بعقولها فتلقى عليه نظرة تسلط عليه فيها حاستها النقدية، بل تأخذه من آذانها إلى ألسنتها على الفور. أما بالنسبة لتلك الجموع الجاهلة الحمقاء فهى لا تشغّل عقلها ولا تعرف أن هناك شيئا فى دنيا البشر يسمى: النقد والتحقيق والتمحيص. وهؤلاء يظنون أن كل ما يأتينا من أمريكا وأوربا لا يمكن إلا أن يكون صحيحا. وأذكر أن طالبة عربية وافدة لاستكمال دراساتها العليا فى مصر فى ميدان الأدب والنقد كانت تناقشنى فى مكتبى بالجامعة منذ عدة سنين فى بعض الموضوعات المتصلة بهذا الميدان، وجاءت سيرة التيارات والمقولات النقدية الجديدة، فكان رأيى أنها لا ينبغى أن تسارع إلى متابعتها أو إنكارها دون أن تعرضها على عقلها. وإذا بها تجيب فى الحال: لكن لا بد أن يعيش الإنسان عصره. أى أنها ترى أن كل ما يجد فى ميدان النقد هو الصواب الذى لا صواب غيره. وهذه الطالبة قد أتت من بلد عربى تقليدى، إلا أن كثيرا من الكتاب هناك يظنون أنهم، بمسايرتهم للجديد الغربى، سوف يتحولون بقدرة قادر فى التو واللحظة إلى ناس عصريين، مع أن كل ما يقولونه ويرددونه إنما يدل على أنهم رغم ذلك متخلفون. وأول وأقوى مظهر من مظاهر التخلف هو تلك الإمَّعِيّة التى تردد دائما أنها مع الناس: إن أساء الناس أن تسىء، وإن أحسن الناس ألا تتابعهم فى إحسانهم، بل تظل متمسكة بالإساءة!

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير