تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(3) وأخرج البيهقي عن أبي محمد الزبيري قال (قال رجل للشافعي أي الأعمال عند الله أفضل؟ قال الشافعي: ما لا يقبل عملاً إلا به , قال: وما ذاك؟ قال الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو , أعلى الأعمال درجة , وأشرفها منزلة , وأسناها حظاً. قال الرجل ألا تخبرني عن الإيمان: قول وعمل , أو قول بلا عمل؟ قال الشافعي: الإيمان عمل لله والقول بعض ذلك العمل , قال الرجل: صف لي ذلك حتى أفهمه و قال الشافعي: إن للإيمان حالات ودرجات وطبقات فمنها التام المنتهي تمامه , والناقص البينِّ نقصانه , والراجح الزائد رجحانه , قال الرجل: وإن الإيمان لا يتم وينقص ويزيد؟ قال الشافعي: نعم , قال: وما الدليل على ذلك؟ قال الشافعي: إن الله جلّ ذكره فرض الإيمان على جوارح بني آدم , فقسّمه فيها, وفرّقه عليها. فليس من جوارحه جارحة إلا وقد ولكت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تعالى: فمنها: قلبه الذي يعقل به , ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره.

ومنها: عيناه اللتان ينظر بهما , وأُذناه اللتان يسمع بهما , ويداه اللتان يبطش بهما , ورجلاه اللتان يمشي بهما , وفرجه الذي الباهُ من قبله ولسانه الذي ينطق به , ورأسه الذي فيه وجهه.

فرض على القلب غير ما فرض على اللسان , وفرض على السمع غير ما فرض على العينين , وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين , وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.

فأما فرض الله على القلب من الإيمان: فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له , لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً , وأن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله , والإقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب فذلك ما فرض الله جل ثناؤه على القلب وهو عمله (إلا من أُكره وقلبُه مطمئن بالإيمان ولكن مَن شرح بالكُفر صدراً) ([176]) وقال (ألا بذكر الله تطمئن القُلوب) ([177]) وقال (مِنَ الذي آمنوا بأفواههم ولم تُؤمن قُلُوُبُهُم) ([178]) , وقال (وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تُخفوه يُحاسبكم به الله) ([179]) , فذلك ما فرض الله على القلب من الإيمان , وهو عمله , وهو رأس الإيمان.

وفرض (الله) على اللسان: القول والتعبير عن القلب بما عقد وأقرّ به , فقال في ذلك (قُولُوا آمنا بالله) ([180]). وقال (وقُولوا للناس حُسنا) ([181]) فذلك ما فرض الله على اللسان من القول , والتعبير عن القلب , وهو عمله , والفرض عليه من الإيمان.

وفرض الله على (السمع): أن يتنزه عن الاستماع إلى ما حرّم الله , وأن يُبغض عما نهى الله عنه , فقال في ذلك (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم) ([182]) ثم استثنى موضع النسيان , فقال جلّ وعزّ (وإما يُنسينّك الشيطان) أي: فقعدت معهم (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) ([183]) , وقال (فبشر عبد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هو أولوا الألباب) ([184]) , وقال (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) إلى قوله (للزكاة فاعلون) ([185]) , وقال (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) ([186]) , وقال (وإذا مروا باللغو مروا كراماً) ([187]) فذلك ما فرض الله , جلّ ذكره , على السمع من التنزيه عمّا لا يحل له , وهو عمله وهو من الإيمان.

(وفرض على العينين) ألا ينظر بهما إلى ما حرّم الله , وأن يغضهما عمّا نهاه عنه , فقال تبارك وتعالى , في ذلك (قُل للمؤمنين يَغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) ([188]) الآيتين: أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه و ويحفظ فرجه من أن يُنظر إليه.

وقال: كل شيء من حفظ الفرج , في كتاب الله , فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها في النظر.

فذلك ما فرض الله على العينين من غضّ البصر , وهو عملهما وهو من الإيمان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير