ـ[محمد جابري]ــــــــ[28 Sep 2008, 11:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم، شكر الله لك سعيك، وبارك جهدك، ووفقك لما يحبه ويرضاه لعباده الصالحين،
أما بعد؛
فالناظر في هذه العقائد ليستغرب أقوالا كثيرة سيقت، كأنها ثوابت لا غنى للمرء عنها، وإنما اجتهد هؤلاء النفر بما وافق زمانهم ومكانهم، و {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134]
وكان الأجدر بأخينا ليس تقصي أقوالهم، وإنما الوقوف مع أدلتهم، لنسعفهم فيما ذهبوا إليه أو نخالفهم في استنباطاتهم وما جاءوا به.
ولا يخفى علينا ونحن ننظر بعين التعظيم والإكبار والإجلال لهؤلاء الأئمة ما تسرب إليهم جميعا من احتكاك بعضهم بالإمام جعفر الصادق وهو من هو من أئمة الشيعة وهو صاحب القول بالبداء في حق الله جل علاه ــ فيما وصلتني من معلومات ــ من لدن أتباعهم.
وما ضربته من مثل بجعفر الصادق ينير السبيل، ويبين بأننا ملزمون بالتحري في العقائد أكثر مما يشغل بعض الإخوة فيه أنفسهم من البحث والتقصي في تعدد طرق الحديث الواحد بعد ما تبينت صحته، أو الانشغال بأمور أقل ما نقول عنها هي من قبيل الترف الفكري، وأضرب بمثل وجدته في هذا الموقع وما جره من مداد وما شغل من اقلام وما أضاع من جهد وهي مجرد عبارة: " تقبل الله ", وهي دعاء، والدعاء باب تكريم الرب لعباده: بإمدادهم بفضله والذي لولاه مازكى منا من أحد أبدا، ولكنا من الخاسرين، ولو اتبعنا الشياطين إلا قليلا، فهل بعد كل هذا الفضل يضحى الدعاء مسألة خلاف؟
وانساق بعض الخلف مع تأويل اليد والوجه والأسماء والصفات ... ونضحي من المقلدة إن نحن لم نتحر الأدلة، ولم نقف مع الضوابط.
فكم من أقوال مأثورة عن السلف وسمت بسوء الأدب سواء في حق الله أو في حق كتابه أو في حق رسوله نسوقها سوق الذين لا يعلمون، وما درينا أننا عن الجادة منحرفون!!! ولا يشفع لنا التقليد كما لم يشفع لمن {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} [الزخرف: 22].
ومن جملة هذه الأمور في حق الله مسألة التكليم، وفي حق القرآن قول السلف أنه غير محدث، وفي حق الرسول نسبته للعصمة المطلقة ...
فإجلالنا لأئمة الهدى ومصابيح الدجى لا يكون كلاما وإنما نلزم أنفسنا بالاستغفار لهم لنكون خير خلف لخير سلف.
فيما يتعلق بمسألة التكليم الإلهي لخلقه أتيتنا بنقل يعتبر في زماننا بمثابة إرهاب فكري وهو نقاك: " وأخرج الهروي عن عبد الرحمن بن مهدي قال (دخلت على مالك وعنده رجل يسأله فقال: لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد و لعن الله عمرو بن عبيد فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام , ولو كان الكلام علماً لتكلَّم فيه الصحابة والتابعون كما تلكموا في الأحكام والشرائع) ([117]) "
وأقول رحم الله الإمام إن صح عنه هذا القول، فهو فعلا علما احتضنه كتاب الله ودلل على سبله ويسر أمره وبسطه بسطا، لا مزيد عليه. وكم هي العلوم التي لم يأتهم تأويلها في زمانهم ونطلق عليها نحن " إعجاز القرآن " إما لكونها سبقا إخباريا، أو اكتشاف سر من أسرار إخباره.
فاقرأ رحمك الله قوله تعالى لمتخذي العجل {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} [الأعراف 148]
ما كان الله ليعيب على العجل الذهبي خرسه ويستوي معه، أعوذ بالله. وإذا علمنا بأن الله يكلم كائنا من كان من خلقه بمحض إرادته ومشيئته، فمن منا لا يشرأب عنقه ليفوز بهذا التكريم وهذا الشرف؟ لكننا نقف موقف الذين لا يعلمون حين تمنوا {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ} [البقرة: 118] فرد عليهم سبحانه وتعالى بقوله {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118]
وحين نتساءل تساؤل الموقنين: " أين بينه الله " وكتابنا مهيمنا على الكتب كلها؟ نجد الجواب في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51]
فأزالت آية البقرة الإشكال حيث ردت وأجابت على من تساءل عن تكليم الله لخلقه، في الزمان والمكان والآية مدنية والخطاب لليهود.
والرحمن لا يسأل عنه إلا خبيرا به مرهف الحس، ترتعد فرائصه من التقول على الله، {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان: 59]، وجاءت آية الشورى لتبين سبل التكليم:
1. الوحي: ولا حجة هنا لمن خصص الوحي بالأنبياء ولا دليل له؛ إذ أوحى الله للنحل، وفي كل سماء أمرها، وأوحى إلى أم موسى عليه السلام ...
2. من وراء حجاب: قد يسدل ستار ويأتي الخطاب خافه، وقد يكون الحجاب حجاب الغيب.
3. أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، والخلط الذي في أذهاننا بين مصطلح النبوة والرسالة يفسد فهمنا؛ إذ الحبيب المصطفى (صلى الله عليه ولم): خاتم النبيين، وليس خاتم المرسلين، فالرسل تترا وتتلاحق {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 44] والأدلة في هذا الصدد كثيرة. ومن أعظم ما جاءنا به رسول الله القرآن الكريم.
4. وختمت الآية بالاسم "علي حكيم " وما جاءت الأسماء الحسنى إلا للتوسل بها لله إن رمنا تكليم الله لنا.
وهكذا يأتي القرآن بالحق وأحسن تفسيرا، فهل بقي من غبش بعد ما بين الجليل جل جلاله؟
وتتفاوت درجات الفهم لكتاب الله حسب درجاتهم في اليقين والتقوى، وهذا موضوع آخر لا يبعدنا عما نحن بصدده.
وإلى لقاء لاحق بحول الله ومشيئته، لنتناول النقطتين الأخيرتين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
¥