[الخواطر الماليزية 1]
ـ[مازن مطبقاني]ــــــــ[05 Dec 2010, 06:00 م]ـ
خواطر في ماليزيا (1)
لماذا تقدمت ماليزيا ولن نتقدم؟
لماذا هذا السؤال؟ ولماذا هذه الصيغة؟ كلما زرت بلداً متقدماً أو استطاع أن يقطع مشواراً في التقدم والرقي والبناء والتشييد والعمارة، تساءلت ما بالنا كأننا "مكانك سر" أو "مكانك راوح" والحقيقة إنه ليس كذلك بل إننا "إلى الخلف در" ولسنا "إلى اليمين انظر" ولا "إلى اليسير" ولا "إلى الأمام".
لقد تعجبت من سؤالي قبل أن تتعجبوا، ولقد سألت سؤالاً أظنني كنت مخطئاً فيه: لماذا تقدمت كوريا، ولم نتقدم؟ " فالسؤال الصحيح هو الذي سألته بعد زيارتي لماليزيا المرة الثانية (والثالثة كانت توقفاً بالمطار ومقابلة السفير الذي لا يقرأ بريده الإلكتروني ولا يقرأه حتى سكرتيره)
السبب في مثل هذا السؤال أننا لا نملك الإرادة ولا نملك الوعي بمعنى التقدم، وربما الأصح أن الذين يملكون الفهم والوعي منشغلون بالتدريس والتفكير والتنظير والأمور بيد غيرهم، وهذه عبارة وجدتها على نافذة منزل في مدينة أكسفورد وتقول: الذين يستطيعون أن يحكموا العالم بجدارة منشغلون بالتدريس. فإن كانوا كذلك فلماذا لا ينفع تدريسهم فيستطيعوا تكوين أفراد أو قادة يستطيعون حكم العالم حكماً رشيداً أو صحيحاً أو عادلاً؟
وأعود إلى مسألة تقدم ماليزيا فأقول: هل يمكن لأمة أن تتقدم وهي قد جعلت قيادتها لأعدائها المحليين والخارجيين؟ كيف لأمة أن تتقدم وهي لا تفهم معنى التقدم سوى بضع عمارات شاهقة وشوارع فسيحة وأرصفة مرصوفة وقصور فارهة ومركبات باذجة. أمة تعرف كيف تستورد كل شيء وليس عندها إرادة أن تصنع شيئاً سوى المناديل الورقية وحفائظ الأطفال والنساء أو تزعم أنها تصنع وهي تأتي بالمصنوع في مصانع الشرق والغرب في براميل أو عبوات ضخمة فتوزعه على علب صغيرة أو عبوات استهلاكية وتكتب على الغلاف (نحن صنعناه) وما هو والله بصناعتنا ولا يحزنون.
كيف نتقدم وأموالنا في بنوك أعدائنا يتحكمون فيها كما يشاؤون، يسمحون لنا بالتصرف فيها متى يشاؤون ويمنعوننا وقتما يشاؤون، وإن سمحوا لنا باستخدامها فما ذلك إلاّ لشراء منتوجاتهم وسلاحهم وطعامهم ولباسهم. فيبعيوننا سلاحاً وقد يشترطون علينا كيف ومتى نستخدمه، وقد يكون هذا السلاح قديماً أو مما يريدون أن يتخلصوا منه من مستودعاتهم كما حدث مع دولة عربية اشترت الأسلحة الخردة من الجيش الأمريكي في ألمانيا وأقيمت أكبر ورشة لإعادة تجديده وتلميعه، وما أن وصلت تلك الأسلحة إلى بلادنا حتى كانت الشاحنات تقف بمجرد أن تصعد تلة صغيرة. وقد تحمل ذلك البلد العربي الصغير ديوناً طائلة بالإضافة إلى الأموال التي ذهبت هنا وهناك وليس للسلاح أبداً.
وقد يجعلون أموالنا لا تسوى الورق الذي طبعت فيها حين يخفضون عملتهم أو يفعلون أي شيئ مما لا أعرف تفاصيله فتذهب أموالنا أدراج الرياح. وحين أفكر بعمق لو ضاعت كل هذه الأموال، وكثير منها ضائع أو ربما معظمها، فهل سنصبح فقراء وجوعى؟ وأتذكر بسرعة (ولله خزائن السموات والأرض) فهو إن جعل مفاتحها اليوم بيد الغرب فقادر سبحانه وتعالى أن يورثها القوم المؤمنين. وقادر سبحانه وتعالى أن يعوضنا خيراً مما أخذ منا.
ويصدرون لنا بضائع غالية الثمن وفينا من يدفع الأموال الطائلة لكيلو من الطماطم مستورد من هولندا أو غيرها وأحياناً نستورد الفجل وكأن فجلنا أو طماطمنا ليست لها طعم التي زرت بأيدي الشقر ذوي العيون الزرق وربما استعان هؤلاء بسمر مثلنا ولكن الطماطم عليها الختم الأجنبي فلا بد أن تكون ألذ، ونحن نقول سخرية (تطوّل العمر).
كيف نتقدم وقد أهملنا ما عرفته المرأة الفنلندية تلك الوزيرة أو رئيسة الوزراء التي عندما سئلت عن سر تقدم فنلندا قالت: التعليم والتعليم والتعليم. وربما أضافت والشفافية. ورحم الله عمر بن الخطاب ورضي عنه عندما كان يعلمنا كيف يحاسب ولاته بل قبل ذلك أيضاً عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً على الصدقة فعاد وقال هذا لكم وهذا أهدي إلي، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم غاضباً وقال: إنّا نولي الرجل مما ولّانا الله، فيأتي ويقول هذا لكم وهذا أهدي إلي، هلاّ قعد في بيت أبيه وأمه ولينظر ما يهدى إليه) فأين الشفافية في عالمنا العربي اليوم؟
كيف نتقدم ونحن لا نستوعب التقدم في تولية الرجل المناسب في المكان المناسب، ولا يصل الرجل الكفؤ إلى المنصب المناسب بل الوظائف إنما هي للمحاسيب والأقارب وغير ذلك. وفي حديث مع أحد الطلاب الذين يكملون دراساتهم العليا في ماليزيا قال لي ليس كل الطلاب الماليزيين الذين ينهون المرحلة الثانوية يدخلون الجامعة، ومن شاء دخول الجامعة فعليه دفع الرسوم، فقلت له أوافقك أن لا يترك الحبل على الغارب وليست الجامعات كما تقول لكل أحد، ولكن قل لي كيف أقبل أن يدخل الجامعة من حصل على ستين بالمائة أو حتى دونها ولا يقبل من حصل على تسعين بالمائة لا لسبب سوى أن صاحب الدرجة المنخفضة لديه واسطة أو فيتامين واو كما تعلمنا أن نقول.
كيف نتقدم وأصحاب المناصب يبقون في مناصبهم حتى ينزعهم منها الغاسل. فكم من منصب عمّر فيه من عمّر مع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو أن أهل الكوفة طلبوني والياً كل يوم لوليت عليهم، وفي عالمنا العربي إذا فاحت رائحة أحد المسؤولين تم تثبيته في منصبه وعوقب من انتقده. وفي بلد عربي طرد مجموعة من العاملين في محطة التلفاز لأنهم قدموا برنامجاً حمل نقداً لأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.
وهذا يقودنا إلى الناحية السياسية فكيف بالله عليكم يمكننا أن نتقدم وتكاد كل الدول العربية تفقد الشرعية السياسية الحقيقية وارجعوا إلى كتاب أحمد بهاء الدين (الشرعية السياسية في العالم العربي) وقد تفوقنا على العالم كله في تزييف الانتخابات أو في كره الانتخابات حتى العمدة لم يعد ينتخب في بعض البلاد. وهو موضوع لا يمكن أن يقال فيه كلام كثير عملاً بنصيحة الضفدع في قول الشاعر
قالت الضفدع قولاً رددته الحكماء في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء
وقول الشاعر
في فمي يا عراق ماء كثير كيف يشكو من في فيه ماء؟
وإلى مقالة أخرى من الخواطر الماليزية إن شاء الله
¥