تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ضعف الحضارة الإسلامية وانهيارها من بعد قوة وعز]

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[11 Dec 2010, 11:54 ص]ـ

[ضعف الحضارة الإسلامية وانهيارها من بعد قوة وعز]

د. إبراهيم عوض

كانت الحضارة الإسلامية فى إبّانها ملء السمع والبصر والفؤاد، وكانت لها إنجازاتها الهائلة، ثم ككل شىء فى الوجود طرأ عليها الضعف والانهيار. لكن ما السبب فى هذا الانهيار يا ترى؟ أول ما يخطر على البال فى هذا السياق هو عامل استطالة الزمن، فقد بدأ المسلمون بداية عبقرية، واستمروا أقوياء فترة من الزمن طويلة جدا بالنسبة إلى الحضارات التى سبقتهم أو أتت بعدهم رغم كل ما واجههم من تحديات وعوائق ومتاعب ليسست بالهينة ولا القليلة. وكانت الشعوب التى يحكمونها أسعد حظا من سواها، وإن لم يَعْنِ هذا أنهم كانوا فى إدارتهم لدولتهم ومعاملتهم لرعاياهم ملائكة مبرئين من كل عيب أو أن العلاقة بينهم وبين الشعوب التى حكموها كانت سمنًا على عسلٍ على الدوام، فهذه ليست طبيعة البشر ولا طبيعة الحياة على الأرض، ولا أظنها ستكون أفضل من هذا لو قُدِّر للبشر أن يهاجر منهم ناس يستوطنون القمر، أو يستوطنون المريخ وغير المريخ بعد القمر، اللهم إلا إذا كُتِب عليهم أن تتغير طبيعتهم التى نعرفها منهم ومن أنفسنا، وهيهات قبل أن تقوم القيامة ويُعَاد سَبْكُ العالم والأشياء والأحياء سَبْكًا جديدا ليس لهم به عهد. لكنْ من غير الطبيعى مع ذلك أن يظل المتحمس لمبدإ أو دين أو مذهب من المذاهب متحمسا له بنفس القوة والحرارة والاندفاع والتجرد إلى أبد الآبدين دون أن يعتريه ضعف أو فتور أو تراجع أو كسل أو خوف على مصلحة ضيقة أو إعادة نظر، أو حتى ثقة زائدة بالنفس تعميه عن اتخاذ الاحتياطات تجاه عدوه الضعيف الذى كان ينتصر عليه دون جهد كبير، ثم إذا بهذا العدو يكمن بعيدا عن أنظاره مجتهدا فى تقوية نفسه وإصلاح أحواله، حتى إذا شام من نفسه قوة وقدرة بعد ضعف وعجز هَبَّ يهاجمه وقد استعد له خير استعداد، بينما هو مغمور فى غروره وثقته الزائدة بالنفس، يتصور أن خصمه "لن يأخذ فى يده غَلْوة" يُذَرّيه بعدها فى جهات الأرض الأربع، فإذا به يخرّ صريعا أمامه وهو يلعق التراب ويبحث عن مغيث فلا يجد.

ولقد أشار القرآن مبكرا إلى هذا العامل، عامل استطالة الوقت، إذ نزلت أولاً، بخصوص الصراع بين المسلمين والمشركين، الآية الخامسة والستون فى سورة "الأنفال" تحرّض المؤمنين أن يتعاملوا مع المشركين على أن واحدهم يساوى فى القتال عشرة من خصومهم، ونصها: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ". لكن سرعان ما نزلت الآية التى بعد آيتنا هذه مباشرة تقول: "الآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" هابطة بالنسبة من واحدٍ مقابلَ عشرة إلى واحدٍ مقابلَ اثنين. وبطبيعة الحال لا يمكن أن يفهم عاقل أن الله سبحانه لم يكن يعلم قدرة المسلمين وحدود طاقاتهم القتالية قبل هذا ثم علمها بعد أن رأى منهم شيئا لم يكن يتوقعه. بل كل ما هنالك أن هذه هى طريقة اللغة، وأن من طبيعة القرآن بالذات التعبير كثيرا عن صفات الله تعالى بصيغة الماضى مثل الفعل "عَلِمَ" فى الآية الحالية، والفعل "كان"، الذى يدل على الأزلية فى قوله سبحانه: "وكان الله عليما حكيما"، "وكان الله قويا عزيزا"، "وكان الله على ذلك قديرا"، "وكان الله غنيا حميدا" ... وهلم جرا. والمعنى أنه كان كذلك منذ الأزل. أى أن هذه طبيعة الألوهية، فالألوهية فوق الزمان والمكان وسائر الحدود التى يعنو لها البشر وغيرهم من الكائنات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير