[إطلالة على ضوابط النقد الأدبي من خلال السنن الإلهية القرآنية]
ـ[محمد جابري]ــــــــ[11 Dec 2010, 02:20 م]ـ
[إطلالة على ضوابط النقد الأدبي من خلال السنن الإلهية القرآنية]
مقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات،
اعتاد الباحثون للتمرس على الكتابة البلاغية الاقتداء بأحد فحول البلاغة واقتناص جواهره، والاحتكاك بها محاكاة وممارسة حتى تستوي بلاغتهم على سوقها بعد أن تنهل من روافد البلغاء ما يؤهلها إلى مصافهم، ويرفعها إلى مكانتهم.
ولا يكفي للنهوض بآدابنا الحديث اعتماد الدراسات الحديثة وما تتطلبه دواعي المستقبل من تحديثات وتجديد؛ بل لا بد، من التمكن من معارف السابقين لنشيد صرح حضارة متصلة أوصالها الثقافية والأدبية بين روافد ومعطيات الماضي ونزينه بمتطلبات الحاضر وما ترمي إليه أعيننا بعيدا لنرسم سكة مستقبل يرعى للسابقين سبقهم، وللمعاصرين حرمتهم، وللمستقبل خصوصية ظروفه، - إن رمنا أن لا نعيش عالة على تمجيد الآباء والتلوك بمفاخرهم الأدبية-.
ونرى ذلك عبئا ثقيلا على تكوين الأديب المعاصر فكيف نلزمه بجر موروثات أكل عليها الدهر وشرب وباتت من الأدب المألوف عند خاصهم وعامهم، ونعرض إعراضا عن كتاب ربنا و لا نستلهمه بلاغته ولا نحتك بجمالية معانيه وكمال بلاغته وتنوعات بديعه؟
فأعظم مفخرة بلاغية، وأحكمها أسلوبا ومعان، وأشدها حكمة، وأثقلها رسالة: كتاب رب العالمين.
فمنه تستمد الحكمة، ومنه ينهل الناهلون روافدهم، ومن بلاغته تنثر الدرر، وتتلألأ الجواهر، ويعطر الجو، وما لمسه من لمس إلا وصبغته صبغته أحب أم كره وشم منه روائحه؛ إذ هو روح وريحان.
روح تجول بطيفها الأجواء، تكلم من تشاء، وتهدي من سبقت له الهداية، وتعمي من حقت له الضلالة. قوة قاهرة بإذن ربها، تحق الحق وتبطل الباطل، ولو كره المجرمون.
لا يفقه فعلها إلا من أرهف الحس والقلب، ووطد حواسه لاستقبال رسائل ربه عبر مداركه من سمع، وبصر، وفؤاد، وغاص غمار الكون بمنظار البصيرة النيرة ينظر إلى أثر رحمة ربه تارة فيما تفيض به الحدائق الغناء من خيرات، وتارة فيما ينزل بالعباد من أثر نقمه في شكل استدعاء للتوبة والإنابة، فلعل مصيبة بسيطة حملت في طياتها خيرا كثيرا، أولى من عذاب خالد في جهنم.
وريحان يملأ الجو عبيره، إذ لا يدخل جو نسيمه ولا يشم عطره إلا مؤمن تفتحت له الرياحين تفتح الوردة من آكامها؛ بينما تزكم أنوف الظالمين روائحه، ولا تستطيعه البطلة، به يسمو من سما نحو العلياء، ومن تمرد عنه نزل الدرك الأسفل من النار: فأخذه بقوة إيمان يسمو بالمرء الدرجات العلا، ومن لوى عنه وأعرض تدحرجت مكانته من دركات الجحيم إلى حضيض النفاق.
ويأتي البحث مرشدا وهاديا إلى دلالات وإشارات قرآنية تمد الناقد البصير بشتى الوسائل سواء في مجال نقد الشكل أو المضمون.
عرض الإشكال:
موضوع السنن الإلهية ضوابط ومقاييس للنقد الأدبي يثير رغبة صادقة لدى كل أصيل، والإثارة في حد ذاتها لحن جديد، وآفاق تتفتح معربة عما يختلجها وهي تهفو بخطواتها الهيفاء إلى الغد الأفضل حيث تمتزج العلوم بمصدرها الرئيس وتنفصم عن أدعيائه، تلك إذا، أول الخطوات الهادفة في تصحيح المسار.
لكن كيف يمكننا الإلمام بهذه الضوابط وتوظيفها توظيفا يتماشى وحاجة الأديب؟
سبيل حل الإشكال:
أ- مد يد الضراعة إلى المولى سبحانه وتعالى:
ولا غرو فالكتابة تسطير لخطط، وحكي وقائع في دنيا الناس، وتوجيه يدفعه تنبيه للمحاذير وعناية بالمخاطر، صرفا للوجهة عن ولوج سبيل يعلم المرء إما حتفه فيه. أو ضرره عظيم، وفساده كبير، وإما على العكس يحشد الهمم، ويقوي العزائم، ويشد على الأيدي لاقتحام الصعاب، وولوج التضحيات، والتي لولاها "لهدمت بيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله".
وفي كل أحوال تبقى ريشة الأديب في حاجة إلى توجيه واستمداد مدد الغيب، واستمطار مطر الرحمة؛ ليستنير وينير درب قارئه، حتى يمضي على يقين لا يتزلزل عند اشتداد العواصف، وهياج الفتن المتلاحمة، وسواء أكانت هذه مآزق مساومات حكام مرنوا على شراء الضمائر في سوق النخاسة "بثمن بخس دراهم معدودات". أو تجلت في فتن سياسية هزتها نعرات القومية، أوالبيئية، أوالجنسية، أوالوثنية، بصفة عامة، فكيف بالخيمة إن كان عمودها الرئيس أول ما يسقط عند اهتزاز أركانها؟
¥