كيف وفّق الإسلام بين جوهر الغريزة وجوهر الروح
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[12 Dec 2010, 02:05 م]ـ
كيف وفّق الإسلام بين جوهر الغريزة وجوهر الروح
قبل أن ندخل في صلب الموضوع لا بد لنا أن نعرف ما هو الجوهر وما هي ماهيته. فالجوهر في اصطلاح الفلاسفة هو الموجود القائم بنفسه. وهو يرادف عندهم الذات والحقيقة والماهيّة. والجوهر المقصود لهذا العنوان ليس ببعيد عن هذا. فالجوهر هو كنه الشيء وأصله وحقيقته ,والبحث فيه ودراسته والقرب منه.فإذا قلنا جوهر الإنسان أو عقله أو غرائزه فإن ذلك يعني ماهية هذه الأصطلاحات وكنهها وحقيقتها للتعرف على ماهيتها وفعلها والمقارنة بينها لنصل الى حقيقة ما نريد.
فالعقل جوهر وهو الذي يحاكي الروح والمنطق. والإنسان الذي يرتبط بالغرائز ومنها الجنس هو جوهر آخر رغم ما فيه من إشباعات غريزية ولكنها مرتبطة بالاستخلاف الأرضي وعمارة الكون والكد في أكناف الأرض وخلافتها.
ولم يغب عن الملائكة هذا الفهم فحينما خاطبهم الله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة. أدركوا أن الخليفة لا بد له أن يتناسل ولا بد له من غرائز بهائمية حتى يستخلف الأرض ويبقي على عمارتها. فكان الرد منهم: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ لأنها هذه هي محصلة الأكيدة: وهي الحتمية في الصراع للأقوى مصداقاً لقوله تعالى (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)
إلا ان الخوض في الجوهرين ليس حديث ولا مستحدث فقد تكلم به أرسطو وابن رشد وغيرهما من الفلاسفة على مراحل محطات التاريخ المتبعثرة في هذا الزمان.
إن المطلع على فلسفة أبن رشد يجد أنه وضع نظرية وهي العلاقة بين الأنسان والعقل. ولكنها نظرية فلسفية لم تعالج الجوهر من النواحي الدينية والإنضباطية فابتعدنا عنها وجنحنا الى ما نؤمن به من معتقد وهو أن العقل الفعال السليم يدلنا دوماً الى الروح والحكمة ونزع الشهوات. والشق الآخر من العقل والذي يرتبط بالإنسان وغرائزة فإن كان له ضابط ونظام فإنه يأتي مكملاً للجوهر الأول. وإن لم يكن له ضابط يربطه فإنه يحوّل صاحبه الى شبه حيوان لا يدري ما سبب وجوده في هذا الكون.
غير أن الإسلام ساوى بين كون الإنسان غريزي شهواني وبين كونه ملائكي روحاني. فقد حرم الزنا وأباح الزواج. حرم السرقة وأباح التملك. حرم الربا وحلل التجارة. حرم لحم الخنزير وأباح ما طهر ولذ من لحوم. حرم المسكرات التي تذهب العقل واحل جميع المشروبات. وقد انطلق الإسلام في ميزانه لهذه الأمور من خلال مقاصد الشريعة الخمس التي أكد عليها وعلى تطبيقها وهي حفظ الدين والعقل والنفس والمال والنسل. فالدين يحفظ الروح ومنع المسكرات والمخدرات يحفظ العقل وتحريم القتل والإعتداء يحفظ النفس وتحريم الربا والسرقة وتشريع مصارف المال يحفظ المال. وتحريم الزنا وإشاعة الفاحشة يحفظ النسل والأجيال من الضياع
فالتحكم بعقلانية الشهوة هو عين الصواب،وإذا سيطرت الشهوة على العقل، فهنا سيتقيد مفهوم الشهوة بالسلبية وسيكون حال الإنسان بهذا التصرف هو الإعوجاج في حياته، لأنها ستصبح هي المتحكم في سلوكيات الفرد، وهذا بدوره كفيل بطمس هوية العقل البشري والانحدار بالنفس البشرية الى القاع. وهذا ما يحدث الآن في بعض الدول الإلحادية التي تعتبر أن الدين ما هو إلا متحكم بالحرية الشخصية التي من يعتقدون أنه لا ينبغي لأحد أن يتدخل بها.
إن الدين هو الضابط الوحيد للجوهر الروحي والجوهر الإنساني الغرائزي. ولا يمكن أن تسقيم حياة الإنسان إلا إذا سار الجوهران بتزامن متساوٍ يحفظ كلا الجوهرين من الآخر لحياة الإنسان بشكل عام حتى يستقيم على هذه الأرض وينطلق الى عمارتها بشكل سليم.
انظروا الى الإتحاد السوقيتي السابق لقد ألغى من برنامجه الروح والدين. فلم يستمر أكثر من نصف قرن من الزمان فما لبث حتى أنهار من قواعده وتشتت من اوصوله وأصبح أثراً بعد عين. انظروا الى الغرب الآن والى تخبطه فهو على حافة الهاوية. مسكرات ومخدرات وانتحارات جماعية وفردية وتهديد للحياة الأسرية وضياع للهوية الإنسانية وانحطاط بليغ سيشل حركته في القريب العاجل. لأنه لم يرع الفيصل القائم بين جوهر الروح وجوهر الإنسان القائمة على التناغم والإندماج.
البقاء في هذه الأرض للمؤمنين. والعمارة والنهوض والارتقاء ليست إلا للمسلمين طال ذلك أم قصر. ولكنه نتيجة حتمية يدركها الدارسون سواء كانوا من أهل الغرب أم من أهل الشرق. فقد أجمعوا على اندثار المادة وحتمية زوالها وإيقنوا أن البقاء دوما للأصلح والمصلح.
يقول الله تعالى آمراً المؤمنين:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152)
ويقول سبحانه وتعالى عن أولئك الفاسدين:
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)
¥