وفي هذا دلالة واضحة على أن المسلم منهي عن التشبه بالكفار وأهل الكتاب، لما في ترك التشبه بهم من المصالح العظيمة، والفوائد الكثيرة، ومن ذلك قطع الطرق المفضية إلى محبتهم والميل إليهم، وتحقيق معنى البراءة منهم، وبغضهم في الله تعالى، وفيه - أيضاً - استقلال المسلمين وتميزهم.
وقد ذكر أهل العلم أن أفضل المراتب في صيام عاشوراء، صوم ثلاثة أيام: التاسع والعاشر والحادي عشر، واستدلوا بحديث ابن عباس: (خالفوا اليهود وصوموا قبله يوماً وبعده يوماً) (3)، وهذا حديث ضعيف، لا يعول عليه، إلا أن يقال إن صيام الثلاثة يأتي فضلها زيادة على فضل عاشوراء لكونها من شهر حرام، ورد الحث على صيامه، وليحصل فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقد ورد عن الإمام أحمد أنه قال: (من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام، ابن سيرين يقول ذلك) (4).
والمرتبة الثانية: صوم التاسع والعاشر، وعليها أكثر الأحاديث، وتقدمت.
والمرتبة الثالثة: صوم التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر، واستدلوا بحديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ: (صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، صوموا قبله يوماً، أو بعده يوماً) وهو حديث ضعيف (5).
والمرتبة الرابعة: إفراد العاشر بالصوم، فمن أهل العلم من كرهه، لأنه تَشَبُّهٌ بأهل الكتاب، وهو قول ابن عباس على ما هو مشهور عنه، وهو مذهب الإمام أحمد، وبعض الحنفية، وقال آخرون: لا يكره، لأنه من الأيام الفاضلة فيستحب إدراك فضيلتها بالصوم، والأظهر أنه مكروه في حق من استطاع أن يجمع معه غيره، ولا ينفي ذلك حصول الأجر لمن صامه وحده، بل هو مثاب إن شاء الله تعالى.
(1) صحيح مسلم (1134).
(2) أخرجه عبد الرزاق (4/ 287) والطحاوي (2/ 78) والبيهقي (4/ 278) عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وإسناده صحيح.
(3) أخرجه البيهقي (4/ 287) وهو رواية عنده للحديث الآتي.
(4) المغني (4/ 441) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 419).
(5) أخرجه أحمد (4/ 52) وابن خزيمة (3/ 290) (2095) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 78) والبيهقي (4/ 287) من طرق، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن داود بن علي، عن أبيه، عن جده ابن عباس به مرفوعاً، وهذا إسناد ضعيف، ولا يصح رفعه، لما يلي:
1 - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيئ الحفظ جداً، كما قال الحافظ في «التقريب».
2 - داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، ذكره ابن حبان في «الثقات» (6/ 281) وقال: (يخطئ)، وقال الحافظ في «التقريب»: (مقبول) أي: عند المتابعة وإلا فليِّن الحديث، وليس له في الكتب الستة إلا حديث واحد عند الترمذي (3419)، ولعل الحافظ الذهبي لخص القول فيه، كما في «سير أعلام النبلاء» (5/ 444) حيث قال: (ما هو بحجة،ولم يُقَحِّم أولو النقد على تليين هذا الضرب لدولتهم).
3 - علة الرفع، فقد تقدم أن الموقوف جاء من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وهم أو ثق وأحفظ من رجال طريق الرفع، ولعل كلمة ابن حبان في داود بن علي فيها إشارة إلى ذلك، ومما يؤيد رواية الوقف ما أخرجه الشافعي في مسنده (1/ 272 ترتيبه) عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس موقوفاً، كذلك، وإسناده صحيح.
ـ[شعاع]ــــــــ[15 Dec 2010, 05:11 م]ـ
http://img651.imageshack.us/img651/5714/44971203.gif
بعض الفوائد والوقفات مع عاشوراء
يوم عاشوراء حدث تأريخي في حياة البشرية، ونقطة تحول في حرب الإيمان مع الكفر، ولذلك كانت حتى الأمة الجاهلية تصومه، كما قالت عائشة _رضي الله عنها_: "أن قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية" متفق عليه بل حتى الأمة الكتابية كانت تصوم هذا اليوم، وتتخذه عيداً كما ثبت في الصحيحين.
ـ يوم عاشوراء ربط بين أهل الإيمان بعضهم البعض ولو اختلفت الأنساب واللغات بل والأزمنة، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين، ثم امتد لكل من شاركهم في الإيمان.
ـ يربي في قلوب المؤمنين المحبة بينهم ووحدة الهم، فبصيامه يتذكر الإنسان ذلك الحدث التأريخي الذي مر على إخوانه في الدين مع موسى _عليه السلام_ من محاربة لهم وإيذاء على أيدي أهل الكفر.
¥