"النظرات" تحت العنوان ذاته، يعبر فيها ـ رحمه الله ـ عن جزعه وهلعه جَرّاء تقليدنا للغربيين في كل ما يضرنا ويهلكنا، ومنه الإقدام على الانتحار مثلما يفعلون حين يأخذ عليهم اليأسُ الطريقَ من كل وجه، وهو ما لم يكن المسلم يصنعه قبل اتصاله وافتتانه بالحضارة الغربية حسبما يقول. وفى بداية هذه المقالة نراه يبدى شديد استغرابه لإقدام أحد التجار المسلمين على إزهاق روحه رغم اعتقاده بسوء عاقبة المنتحر يوم الحساب، ثم يختمها مؤكدا أن الانتحار "نزغة من نزغات الشيطان وخطرة من خطرات النفس الشريرة". بل إنه، في مقالة ثالثة منشورة في الجزء الأول من "النظرات" أيضا بعنوان "المدنية الغربية"، يحذر تحذيرا شديدا من اتخاذ طريق المدنية الغربية لنا طريقا، وإلا كان هذا الطريق طريقا إلى الهلاك. ومما نعاه على تلك المدنية الإلحاد والانتحار، وهما لا يصلحان للمسلم، ولا المسلم يصلح لهما أو بهما. فما عدا إذن مما بدا؟))
((لا معنى لقول عبد المحسن بدر أن سِرّ رواج هذه الرواية وغيرها من الأعمال التي عربها المنفلوطي يرجع، فيما يرجع، إلى أنه "كان يخلق الرواية المترجمة خلقا جديدا يتلاءم مع ذوق قراء عصره، هذا الذوق الذي يعجب بالإغراق في العاطفة ... "، إذ يدل هذا الكلام على أن المنفلوطي، رحمه الله، هو الذي أضفى على الرواية هذه العاطفية المسرفة، على حين أن الرواية في أصلها الفرنسي كانت أشد إسرافا عما تبدو عليه في تعريب كاتبنا الكبير يرحمه الله. كما أن الحزن سمة أصيلة في شخصية المنفلوطي جعلته يميل إلى الأدب الحزين شعرا وقصصا وأخبارا كما وضح هو نفسه في مقدمة كتابه: "النظرات"، وإن ذكر أنه لا يدرى السب في ذلك: "لا أدرى ما الذي كان يعجبني في مطالعاتي من شعر الهموم والأحزان ومواقف البؤس والشقاء، وقصص المحزونين والمنكوبين خاصة". ومما يدل على أن الأمر لم يكن مسايرة للاتجاه العام لدى القراء في ذلك الوقت أن المنفلوطي، في الظروف الواقعية المشابهة لتلك التي يصفها في قصه، كان يُتْبِع القول بالعمل، إذ كان رقيق القلب جياش المشاعر يتألم حقيقةً للمساكين والمأزومين والمحتاجين ويمد يده إلى جيبه ويعطى بسخاء رجولي نبيل. وقد أورد الدكتور محمد أبو الأنوار، شفاه الله، في الجزء الأول من كتابه القيم عن المنفلوطي (ص54 وما بعدها) شواهد على ذلك من حياة الرجل وسلوكه تدل على أن المسألة مسألة صدق أخلاقي وعاطفي، وليست متابعة للشعور العام لدى القراء كما يزعم عبد المحسن طه بدر دون تثبت أو محاولة للتحقق مما يقول))
انتهى ما أردتُ نقله من مقال الدكتور إبراهيم عوض (ماجدولين) , متمنيةً أن أكون قد وفقتُ في تقديم وجبة أدبية ماتعة , هي بمثابة استراحة للقارئ الكريم ليس إلا , ليستأنف بعدها التنقل بين أروقة هذا الملتقى الرائع لمدارسة المسائل العلمية والشرعية النافعة والمفيدة.
وفق الله الجميع لطاعته , والعمل على مرضاته.
ـ[طارق منينة]ــــــــ[22 Dec 2010, 07:43 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ولاني احب الدكتور ابراهيم عوض فيمكنني القول انه يتمتع بخلوته او يستمتع بخلوته والله اعلم ويجد نفسه فيها وهنا تظهر اثار روحه على الاوراق وملازمة نفسه للنصوص المختلفة وكأنه روح لاتظهر آثارها في التاريخ الا على ورقه واوراقه وكتبه وكتابه وهو مايعرف عن العلماء فكم ظهرت آثار حروف ابن تيمية على النفوس الكبار واصلحت الكلمات والعلوم، وكذلك الامر هنا، فالدكتور يتناول في كل مرة نص او فعل او تلوين او تلبيس او تلفيق او تهذيب فيكشفه لنا في اطار شفاف حتى انك لاتنسى العرض ابدا لصفائه وشفافيته وكم مرة اجد كلمات ابن القيم مثلا تنزع الى خاطري لشفافيتها وظهورها
وفي واحدة من الصور والنموذج العرضي والنقدي والعلمي تعرض محاوراته-اعتبرها محاورات- مع المنفلوطي وغيره ونراه يسأل وهو يكتب رغم انه مازال وحده في خلوته المتفكرة لما كان هذا من المنفلوطي .. ويسطر ويسأل ويكتب ويترجم وهو يعلم ان قراء ينتظرون حواره مع رواية -ومنها رواية المنفلوطي-او شخص ما او فكرة او كتاب او ترجمة او رؤية
ان الروح الاسلامية عريقة في التاريخ وهي تمد نظرها اليه قارئة ناظرة متفكرة ناقدة
وقد نظر الدكتور في خلوة المنفلوطي مع رواية وتفكره فيها وعمله فيها واستخرج لنا منها تلويناته ومعالجاته وافضل مافي الامر هو ماكان ابن تيمية قد كشفه في المتفلسفة وتلوينهم لنصوص اخطر شأنا وهي النصوص اليونانية والباسها لباس الحقائق الغيبية الاسلامية بدون ان يشعر احد الى ان جاء مثل ابن تيمية فاظهر التلوين وكشف عنه والتزوير وبين ابعاده
ولااقصد طبعا ان اشبه المنفلوطي بمافعله الغزالي وغيره في نصوص اليونان او ابن رشد وانما اقصد مشابهة عمل الدكتور ابراهيم بعمل ابن تيمية وان كان المجال غير المجال الا ان اللفتة واحدة والكشف من منبع واحد ولامشابهة بين المنفلوطي وعمله بما فعله المتفلسفة وبعض العلماء في تمرير صور الغيبيات اليوانانية في المعاني الاسلامية
طبعا انا باحاول ان اقول شيء وقد افشل في توصيله لكنها محاولة كتابة وتجربة قلم ضعيف
¥