تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولذلك استدرك على بعض أهل العلم في مواضع أنهم يجعلون لازم المذهب مذهبا، وذلك، كما تقدم، غير لازم، فلا يلزم قائل بلازم مقالته حتى تبين له فيتصورها تصورا كاملا قاطعا للعذر ثم يصر عليها فيمكن عندئذ جعلها داخلة في حد دلالة التضمن لأن تصريحه قد صيرها جزءا من حقيقة قوله بعد أن كانت لازما.

فمن قال في كلام ابن مالك، رحمه الله، بأن قوله مفيد يتضمن القصد والتركيب فقد أخرجه من العهدة واعتذر عنه ابتداء وانتهى الأمر، لأنه عرف بأمور ذاتية في الكلام لا لازمة له فيكون الحد صحيحا سالما من المعارضة.

ومن قال بأنها دلالة التزامية فلا تصلح لتعريف المحدود لأنها ليست جزءا من حقيقته يحصل به التمييز بينه وبين غيره، بل غايتها كما تقدم أن تكون فرعا عنه بدلالة العقل فحقيقتها ليست جزءا من حقيقته، فإنه يعتذر عن الإمام، رحمه الله، بأنه لم يقصد حد الكلام على طريقة المناطقة، فلم يقصد الفصل بالأمور الذاتية التي هي جزء من حقيقة المحدود .......... إلخ من شروط الحد الجامع لأفراده المانع من دخول غيرهم عند المناطقة، فذلك أمر دقيق وعسير جدا، كما ذكر ذلك الغزالي رحمه الله في "المستصفى" وأيده ابن تيمية رحمه الله في "الرد على المنطقيين" في معرض نقد هذه الحدود التي عسرت اليسير فاكتفى بالقول بأن الحد هو: "الفصل أو التمييز بين المحدود وغيره" فقط، فمتى حصل التمييز سواء بذاتي أو لازم وهو الذي يستعمل في الحدود التي يطلق عليها "رسمية"، إذا حصل هذا التمييز وهو مطلوب كل عاقل من التعريف: أن يدرك حقيقة الشيء المعرف بغض النظر عن طريقة التعريف، فالمهم أن يحصل له تصور صحيح لحقيقته أيا كانت الطريقة، إذا حصل هذا التمييز فقد تحقق المراد وانتهى الأمر، وفي التعريفات التي يفصل فيها المحدود عن غيره بالذاتيات التي هي جزء من ماهيته، تجد من الانتقادات عليها ما لا ينتهي، كما في تعريف "العلم" على سبيل المثال وقد حشد له الشوكاني رحمه الله تعريفات عديدة في "إرشاد الفحول" كلها منتقدة!، لأن مراد المعرف الذي يتكلف هذه الحدود: إصابة عين الشيء تحديدا فهو يريد إدراك حقيقته إدراكا كاملا، لا مجرد تمييزها عن غيرها، فلا يكتفي بمجرد التصور وإنما يتعمق ليدرك الحقيقة نفسها، وهذا أمر متعذر، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، حتى في الأمور الطبيعية المحسوسة فالتجارب العملية لا تفي بهذا الغرض وإنما غايتها أن ترصد التغيرات لتميز الحقائق عن بعضها دون أن تستهلك جهد المستدل في إدراك ما يتعذر إدراكه غالبا، فالأمر يشبه التفاعل الكيميائي الذي ترصد فيه الظواهر الخارجية لتصور حقيقة المادة الكيميائية دون خوض في حقيقتها الذاتية، فذلك لن يعود بنفع معتبر، فيكفي أن يعرف بأن مادة كذا لو وضع عليها كذا لتولد لون كذا أو رائحة كذا، فذلك من لوازمها، إذ قد اطرد من سلوكها أنه يلزم من إضافة مادة كذا من الكواشف لها تولد نتيجة كذا لونا أو رائحة ..... إلخ، وذلك كاف لتمييزها عن غيرها أو حدها حدا رسميا بالعوارض اللازمة لها، وهو ما اعتذر به عن ابن مالك، رحمه الله، إذ لم يقصد إلا أن يوصل لقارئ منظومته تصورا يحصل به إفهام معنى الكلام سواء أكان التعريف ذاتيا أو رسميا، فإن كان ذاتيا كما في الاعتذار الأول فلا إشكال، وإن كان رسميا باللوازم إذ يلزم من الإفادة: التركيب والقصد، كما تقدم، فلا إشكال أيضا فقد حصل التصور الصحيح ووصل المعنى المراد في كلا الحالين إلى ذهن القارئ فهو المطلوب إثباته، وما بعده فضول قول لا نفع كبير يرتجى منه.

ثم جاء الاعتراض على الإمام رحمه الله بأنه وضع المفهوم: "لفظ مفيد" بإزاء الاسم: "كلامنا"، وهذه طريقة من يعرف بالذاتيات لا اللوازم، فهو بذلك ينص بلسان حال نظمه على أنه أراد بهذا التعريف: التعريف لحقيقة الكلام بعينه أو ماهيته في نفس الأمر اعتمادا على خواصه الذاتية، فلا يمكن الاعتذار عنه بأنه إنما أراد مجرد التصور بالتعريف الرسمي بلوازم الإفادة من: قصد وتركيب، فيلزمه إذن أن يقول في موضع كهذا ليلتزم طريقة الحد الذاتي التي ألزم نفسه بها بلسان حال طريقته في النظم: طريقة ذكر المعرف ثم ذكر التعريف بإزائه، كما تقدم، يلزمه أن يقول:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير