تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كلامنا لفظ مركب مقصود كاستقم، وهو ما صرح به في "التسهيل"، لو سلم بأن الإفادة تتضمن التركيب والقصد فينص على ذلك نصا فلا تكفي مجرد الإشارة إذ قد التزم في التعريف طريقة من ينص على أجزاء المعرف فلا يعرج على لوازمها.

ويلزمه ذلك في مواضع أخر من الألفية فصياغة تعريفاتها كلها جارية على هذا النمط كقوله في تعريف البدل:

التابع المقصود بالحكم بلا ******* واسطة هو المسمى بدلا

فيلزم أن يكون مراده، رحمه الله، هنا التعريف الذاتي، فلو استدرك عليه مستدرك بذكر جزء من حقيقة البدل لم يذكره لصح استدراكه، ولا يكفي في الاعتذار أنه أراد تقريب المعنى بذكر تعريف يحصل به التصور لا أكثر سواء أكان ذاتيا أم رسميا أم جامعا بينهما، فيذكر بعض الخصائص الذاتية ويذكر بعض اللوازم في سياق واحد دون تمييز وهو الغالب على الحدود في كلام العقلاء، فالهدف، كما تقدم مرارا، مجرد التصور وذلك يحصل بأي قدر مجزئ في الإفهام دون إضاعة الوقت في تجريد الحقيقة الكلية تجريدا فلسفيا مثاليا لا وجود له إلا في ذهن صاحبه!. ولكن صاحب هذا الاستدراك ألزم الإمام، رحمه الله، بأن يسير على وتيرة التعريف الذاتي طالما التزم صيغته: الاسم فالتعريف بإزائه.

وقد يقال، والله أعلم، أنه لا يلزم الإمام، رحمه الله، ذلك حنى من نص الألفية نفسها، إذ قد مزج بين التعريف بـ: "لفظ مفيد" سواء قيل بأنه تعريف ذاتي أو رسمي، والتعريف بـ: "استقم"، وهو تعريف بالمثال، والتعريف بالمثال، كما يقول بعض المحققين كابن تيمية رحمه الله يكون أحيانا أفضل وأصح في تصور المعرف من التعريف بالحد الجامع المانع فبالمثال يتضح المقال كما يقال كتعريف الخبز بالرغيف مثلا دون حاجة إلى صياغته صياغة لفظية أو حتى تعريفه بالإشارة إليه دون النطق أصلا، فقد يقال بأن هذا المزج بين التعريف بالحد والتعريف بالمثال يدل على أن الإمام، رحمه الله، لم يقصد الحد الذاتي ولا يلزمه ذلك لأن الصياغة ليست صياغة حد ذاتي فالمثال لا يذكر فيها، فينتهي الإشكال ويقال بأن التعريف قد أفاد العاقل تصورا صحيحا للمعرف وانتهى الأمر فضلا عن كون المثال الذي اختاره الإمام، رحمه الله، دقيقا، أيما دقة، فهو يدل على أجزاء ولوازم المعرف فـ: "استقم": مركب من فعل وفاعله، وهو مقصود لقائله إذ يأمر مخاطبه بالاستقامة فضلا عن شموله لصورة التركيب المقدر، فهو في اللفظ كلمة واحدة: "استقم"، وفي التقدير كلمتان: الفعل والضمير المستكن فيه، وذلك، كما تقدم، من براعة الإمام في اختصار كل تلك المعاني في مثال من كلمة واحدة تدل على مراده دون إسراف في الكلام فالنظم لا يحتمل ذلك إذ مبناه الاختصار بداهة فيتوصل إلى المراد بأوجز عبارة.

ويشهد لهذا المزج أنه استعمله في مواضع تالية كقوله:

سواهما الحرف كهل وفي ولم ******* فعل مضارع يلي لم كيشم

فعرف الحرف بحده الذاتي: ما سوى الاسم والفعل. ثم عرفه بالمثال: هل وفي ولم.

وعرف المضارع بأحد علاماته فهي من لوازمه لا من حقيقته الذاتية فعلامة المضارع أن يلي الجازم كـ: "لم"، ثم أردف بالتعريف بمثال له: "يشم"، وهذا دليل أنه، رحمه الله، كان يرمي إلى مجرد إفهام المخاطب بغض النظر عن طريقة الإفهام: بالحد بالمثال .......... بأي طريقة يحصل بها التصور الصحيح للمعرف.

ونفس الأمر أورد على ابن هشام، رحمه الله، في "شرح الشذور" لما عرف الكلام بقوله: "الكلام: قول مفيد مقصود"، وقد أفاض الكلام فيه الشيخ محمد محيي الدين، رحمه الله، في حاشية: "منتهى الأرب"، إذ استدرك على الإمام، رحمه الله، أنه قال: "مفيد"، والمفيد يتضمن: التركيب والقصد فيكون في التعريف تكرار للقصد، إذ نص عليه بعد ذلك، فتكون المسألة على طريقة التعويض في المعادلات الرياضية: الكلام: قول (مفيد) مقصود = قول (مركب مقصود) مقصود، بالتعويض عن الحد (مفيد) بـ: (مركب مقصود)، فيحصل تكرار مقصود في التعريف مرتين فيكون التعريف منتقدا من هذا الوجه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير