فقال له: رَعْياً لكَ يا بُنيّ. فلقدْ أقرَرْتَ عينيّ. ثمّ استَنْهَضَ ذا جُثّةٍ كالبَيذَقِ. ونَعشَةٍ كالسّوذَقِ. وأمرَهُ بأنْ يقِفَ بالمِرصادِ. ويسرُدَ ما يجْري على السّينِ والصّادِ. فنهضَ يسحَبُ بُردَيْهِ. ثمّ أنشَدَ مُشيراً بيدَيْهِ:
إنْ شِئْتَ بالسّينِ فاكتُبْ ما أبيّنهُ وإنْ تَشأ فهْوَ بالصّاداتِ يُكتَتَبُ
مَغسٌ وفَقسٌ ومُسطارٌ ومُمّلسٌ وسالغٌ وسِراطُ الحقّ والسّقَبُ
والسّامِغانِ وسقْرٌ والسَّويقُ ومِسْ لاقٌ وعن كل هذا تُفصحُ الكُتُبُ
فقال له: أحسَنتَ يا حبَقَةُ. يا عينَ بقّةَ. ثمّ نادى: يا دَغْفَلُ. يا أبا زَنفَلَ. فلبّاهُ فتًى أحسَنُ منْ بيضَةٍ. في روضَةٍ. فقال له: ما عَقْدُ هِجاء الأفعالِ. التي أخِرُها حرْفُ اعتِلالٍ? فقال: اسْمَعْ لا صُمّ صَداكَ. ولا سمِعَتْ عِداكَ! ثمّ أنشدَ. وما استَرشَدَ:
إذا الفِعْلُ يوماً غُمّ عنْكَ هجاؤه فألحِقْ بهِ تاء الخِطابِ ولا تقِفْ
فإنْ ترَ قبْلَ التّاء ياءً فكَتْبُهُ بياءٍ وإلا فهْوَ يُكتَبُ بالألِفْ
ولا تحسُبِ الفِعلَ الثّلاثيّ والذي تعدّاهُ والمهموزُ في ذاك يختلِفْ
فطَرِبَ الشيخُ لما أدّاهُ. ثمّ عوّذَهُ وفدّاهُ. ثمّ قال: هلمّ يا قَعْقاعُ. يا باقِعَةَ البِقاعِ. فأقْبَلَ فتًى أحسَنُ منْ نارِ القِرى. في عينِ ابنِ السُرَى. فقال له: اصدَعْ بتمْييزِ الظّاء منَ الضادِ. لتَصْدَعَ بهِ أكْبادَ الأضْدادِ. فاهتَزّ لقوْلِهِ واهتَشّ. ثمّ أنشَدَ بصوتٍ أجَشّ:
أيها السائلي عنِ الضّادِ والظّا ء لكَيْلا تُضِلّهُ الألْفاظُ
إنّ حِفظَ الظّاءات يُغنيكَ فاسمع ها استِماعَ امرِئٍ لهُ استيقاظُ
هيَ ظَمْياءُ والمظالِمُ والإظْ لامُ والظَّلْمُ والظُّبَى واللَّحاظُ
والعَظا والظّليمُ والظبيُ والشّيْ ظَمُ والظّلُّ واللّظى والشّواظُ
والتّظَنّي واللّفْظُ والنّظمُ والتق ريظُ والقَيظُ والظّما واللَّماظُ
والحِظا والنّظيرُ والظّئرُ والجا حِظُ والنّاظِرونَ والأيْقاظُ
والتّشظّي والظِّلفُ والعظمُ والظّن بوبُ والظَّهْرُ والشّظا والشِّظاظُ
والأظافيرُ والمظَفَّرُ والمحْ ظورُ والحافِظونَ والإحْفاظُ
والحَظيراتُ والمَظِنّةُ والظِّنّ ةُ والكاظِمونَ والمُغْتاظُ
والوَظيفاتُ والمُواظِبُ والكِظّ ةُ والإنتِظارُ والإلْظاظُ
ووَظيفٌ وظالِعٌ وعظيمٌ وظَهيرٌ والفَظُّ والإغْلاظُ
ونَظيفٌ والظَّرْفُ والظّلَفُ الظّا هِرُ ثمّ الفَظيعُ والوُعّاظُ
وعُكاظٌ والظَّعْنُ والمَظُّ والحنْ ظَلُ والقارِظانِ والأوْشاظُ
وظِرابُ الظِّرّانِ والشّظَفُ البا هِظُ والجعْظَريُّ والجَوّاظُ
والظَّرابينُ والحَناظِبُ والعُنْ ظُبُ ثمّ الظّيّانُ والأرْعاظُ
والشَّناظِي والدَّلْظُ والظّأبُ والظَّبْ ظابُ والعُنظُوانُ والجِنْعاظُ
والشّناظيرُ والتّعاظُلُ والعِظْ لِمُ والبَظْرُ بعْدُ والإنْعاظُ
هيَ هذي سِوى النّوادِرِ فاحفَظْ ها لتَقْفو آثارَكَ الحُفّاظُ
واقضِ في ما صرّفتَ منها كما تق ضيهِ في أصْلِهِ كقَيْظٍ وقاظوا
فقال لهُ الشيخُ: أحسنْتَ لا فُضّ فوكَ. ولا بُرّ منْ يجفوكَ. فوَاللهِ إنّكَ معَ الصِّبا الغَضّ. لأحْفَظُ منَ الأرضِ. وأجمَعُ من يومِ العرْضِ. ولقدْ أورَدْتُك ورُفْقتَكَ زُلالي. وثقّفْتُكُم تثْقيفَ العَوالي. فاذْكُروني أذكُرْكُمْ واشْكُروا لي وَلا تكفُرون. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فعجِبْتُ لما أبْدى من بَراعَةٍ. معجونَةٍ برِقاعَةٍ. وأظهَرَ منْ حَذاقَةٍ. ممزوجَةٍ بحَماقَةٍ. ولمْ يزَلْ بصَري يُصَعِّدُ فيهِ ويصوِّبُ. وينقِّرُ عنهُ وينقِّبُ. وكنتُ كمنْ ينظُرُ في ظَلْماء. أو يَسري في بهْماء. فلما استَراثَ تنبُّهي. واسْتَبان تدلُّهي. حمْلقَ إليّ وتبسّمَ. وقال: لمْ يبقَ مَنْ يتوسّمُ. فبُهْتُ لفَحْوى كلامِهِ. ووجَدْتُهُ أبا زيدٍ عندَ ابتِسامِهِ. فأخذْتُ ألومُهُ على تديُّرِ بُقعَةِ النَّوْكى. وتخيُّرِ حِرفَةِ الحمْقَى. فكأنّ وجهَهُ أُسِفّ رَماداً. أو أُشرِبَ سَواداً. إلا أنهُ أنشدَ وما تَمادى:
تخيّرْتُ حِمْصَ وهَذي الصّناعهْ لأُرزَقَ حُظوَةَ أهلِ الرَّقاعَهْ
فما يَصطَفي الدّهرُ غيرَ الرّقيعِ ولا يوطِنُ المالَ إلا بِقاعَهْ
ولا لأخي اللُّبّ منْ دهْرِهِ سوى ما لعَيْرٍ رَبيطٍ بِقاعَهْ
ثم قال: أمَا إنّ التعليمَ أشرَفُ صِناعةٍ. وأربَحُ بِضاعةٍ. وأنجَعُ شَفاعةٍ. وأفضَلُ براعَةٍ. وربُّهُ ذو إمْرَةٍ مُطاعَةٍ. وهيبَةٍ مُشاعَةٍ. ورعيّةٍ مِطواعةٍ. يتسيْطَرُ تسيْطُرَ أميرٍ. ويرتِّبُ ترْتيبَ وزيرٍ. ويتحكّمُ تحكُّمَ قَديرٍ. ويتشبّهُ بِذي مُلْكٍ كبيرٍ. إلا أنهُ يخْرَفُ في أمَدٍ يَسيرٍ. ويتّسِمُ بحُمقٍ شَهيرٍ. ويتقلّبُ بعقْلٍ صَغيرٍ. ولا يُنَبّئكَ مثلُ خَبيرٍ. فقلتُ لهُ: تاللهِ إنّكَ لابنُ الأيّامِ. وعلَمُ الأعلامِ. والسّاحِرُ اللاعِبُ بالأفْهامِ. المُذَلَّلُ لهُ سُبُلُ الكَلامِ. ثمّ لمْ أزَلْ معتَكِفاً بنادِيهِ. ومُغتَرِفاً منْ سيْلِ وادِيهِ. الى أن غابَتِ الأيامُ الغُرُّ. ونابَتِ الأحْداثُ الغُبْرُ. ففارقْتُهُ ولعَيْني العُبْرُ.
¥