عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلاً استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فلمّا رآه قال: «بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة» فلمّا جلس تطلّق النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه، وانبسط إليه. فلما انطلق الرجل، قالت عائشة: يا رسول الله! حين رأيتَ الرجلَ قلتَ له كذا وكذا، ثم تطلّقت في وجهه وانبسطت إليه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عائشة! متى عهدتِني فاحشاً؟ إنّ شرّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة مَنْ تركه الناس اتّقاءَ شره».
قال ابن بطال: هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وكان يقال له: الأحمق المطاع، وقد رجا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بإقباله عليه تألُّفَه ليُسْلِم قومُه؛ لأنّه كان رئيسهم.
وكذا فسّره به عياض، ثم القرطبي والنووي جازمين بذلك، أي بأن الرجل هو عيينة.
وقال ابن حجر في «الفتح» [8] وفي «الإصابة» [9]، وابن عبد البر في «الاستيعاب» [10]: (وقد أخرج سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: جاء عيينة بن حصن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده عائشة - رضي الله عنها - فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: من هذه؟ (وذلك قبل الحجاب)، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «هذه عائشة أم المؤمنين»، قال: ألا أنزل لك عن أجمل منها .. (وفي رواية عن خير منها) عن أم البنين؟ (يعني امرأته)، فغضبت عائشة - رضي الله عنها - وقالت: من هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «هذا الأحمق المطاع» يعني: في قومه.
وهذا الحديث مرسل ولكن ابن حجر قال: ... ورجاله ثقات، ووصَلَه الطبراني من حديث جرير.
ومن أخباره الغريبة: ما ذكره أبو حاتم السجستاني في كتاب: «المعمرون والوصايا» [11] قال: وصّى حصن بن حذيفة ولده عند موته، وكانوا عشرة، وكان سبب موته أنّ كُرز بن عامر العقيلي طعنه، فاشتدّ مرضه، فقال لهم: الموت أَرْوَحُ ممّا أنا فيه، فأيكم يطيعني؟ قالوا: كلُّنا. فبدأ بالأكبر فقال: خذ سيفي هذا، فضعه على صدري ثم اتّكئ عليه حتى يخرج من ظهري. فقال: يا أبتاه! هل يقتل الرجل أباه؟
فعرض ذلك عليهم واحداً واحداً فأبوا إلاّ عيينة، فقال: يا أبتِ، أليس لك فيما تأمرني به راحة وهوى، ولك مني طاعة؟ قال: بلى! قال: فمرني كيف أصنع؟ قال: ألقِ السيف يا بنيّ؛ فإني أردت أن أبلوَكم فأعرف أطوعكم لي في حياتي فهو أطوع لي بعد موتي، فاذهب أنت سيد ولدي من بعدي، ولك رياستي، فجمع بني بدر فأعلمهم بذلك، فقام عيينة بالرياسة بعد أبيه، وقتل كُرزاً.
ومن أخبار عيينة بن حصن المحارِبة للإسلام: أنّه أغار على إبل للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان من جراء ذلك غزوة عُرِفت بغزوة ذي قَرَد [12]، ودعاها بعض مؤلفي السيرة بغزوة الغابة [13]، وكانت سنة ست للهجرة. وملخص خبرها: أنّه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - عشرون لقحة [14] ترعى بالغابة، فأغار عليها عيينة بن حصن في أربعين راكباً واستلبها من راعيها.
فجاءت الأخبارُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بلّغه سَلَمة بن الأكوع - رضي الله عنه - أحد رماة الأنصار، وكان عدّاءً لا تدركه الخيول، فأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يخرج في أَثَر القوم ليشغلهم بالنبل حتى يدركهم المسلمون.
فخرج سَلَمة يشتد في أثرهم حتّى لحقهم، وجعل يرميهم بالنبل، فإذا وجهت الخيل نحوه رجع هارباً فلا يُلحق، فإذا دخلت الخيل بعض المضايق علا الجبلَ فرمى عليها بالحجارة، حتى ألقوا كثيراً ممّا بأيديهم من الرماح والأبراد ليخففوا عن أنفسهم حتّى لا يلحقهم الجيش، ولم يزل سلمة على ذلك حتى تلاحق الجيش به. فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا أصحابه فأجابوه.
وقتل في هذه الغزوة مسلم ومشركان، واستنقذ المسلمون غالب اللقاح، وهرب أوائل القوم بالبقية.
وأورد البيهقي خبراً فحواه أن عيينة بن حصن استأذن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في أن يأتي أهل الطائف فيدعوهم إلى الإسلام، فأذن له، فجاءهم، فأمرهم في حصنهم وقال لهم: (لا يهولنكم قطْعُ ما قطّع محمد من الأشجار ... ) في كلام طويل. فلما رجع، قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما قلت لهم؟» قال: دعوتهم إلى الإسلام، فأنذرتهم النار، وذكرتهم بالجنة. فقال - صلى الله عليه وسلم -: «كذبتَ، بل قلت لهم كذا وكذا».
¥