تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تميزت بغداد أيضا بقصورها، وقد اشتهرت قصور الخلفاء ومجالسهم بالعظمة والفخامة، حتى أن الخليفة الأمين كان قد بنى قصرا ذهب سقفه وحيطانه وإيوانه. وكان الإيوان فسيحا، جعل كالبيضة، ثم ذهب تذهيبا محلى بالإبريز المخالف فيه باللازورد. وكان في المجلس أبواب عظام، ومصابيح غلاظ تلألأ فيها مسامير الذهب قنعت رؤوسها بالجوهر النفيس، وقد فرش بفرش كأنها صبغت بالدم، منقشة بتصاوير الذهب وتماثيل العقبان ونفذ فيها العنبر والأشهب والكافور المصعد، وعجين المسك. وبجانب قصر الخليفة فلقد انتشرت قصور عدة للأمراء والوزراء على الجانب الغربي بالكرخ، وكانت قصور منتظمة ذوات دواليب وبساتين ورواشن متقابلة.

ومن أشهر هذه القصور قصر الخلد وهو الذي أنشأه المنصور وشيده تشيدا عظيما وراء باب خراسان على ضفة دجلة اليمنى عند النهاية الغربية للجسر الكبير، وسماه قصر الخلد تبركا وتفاؤلا باسم الجنة، وأتم بناءه عام 158هـ / 775 م.

وهناك قصر الرصافة وقد أمر المنصور بإنشائه على شرقي دجلة عام 151هـ / 7 68 م، وهو أول بناء أنشئ في الجانب الشرقي، وقد أنشأ المنصور له سورا وخندقا، واتخذه المهدي مقاما له عند قدومه من الري بعسكره، وجعل ما حوله معسكرا لجنده فأنشأ كبار القواد منازل لهم حول القصر، ثم زيد في القصر وأضيف إليه الكثير مما يجاوره من الأبنية.

ومن الآثار الباقية أيضا في بغداد القصر العباسي الذي يعد من روائع التراث الإسلامي في العمارة والزخرفة،ويتكون من مجموعة من الحجرات ذات طابقين تطل على ساحة مكشوفة في جانب منها بين الحجرات إيوان كبير يقابله مسجد ويقع خلف الحجرات رواق يتقدم قاعات كبيرة مرتفعة ويقع مدخل هذا البناء في الضلع الجنوبي الغربي حيث يؤدي إلى ممر أفقي طرف منه يؤدي إلى القاعات الكبيرة والطرف الآخر إلى الساحة الوسطية، ويتقدم الحجرات الصغيرة المطلة على الصحن رواق مزخرف بمقرنصات بديعة التكوين والنقوش،كما زينت بواطن الغيوان والممرات وبعض السقوف بزخارف هندسية ونباتية.

وكذلك قصر الحسنى وقد أنشأه جعفر بن يحيى البرمكي على دجلة في الجانب الشرقي، وكان هذا القصر واقعا تحت محلة المخرم وكان يعرف في أول عهده بالقصر الجعفري، ثم أهداه صاحبه للمأمون فصار يعرف بالقصر المأموني، لكنه بقي تحت تصرف جعفر بن يحيى إلى حين مقتله، وحينئذ تصرف فيه المأمون تصرفا فعليا فأضاف إليه ما يزيد من معالم بهجته من ذلك ميدان واسع للعب الكرة والصولجان، كما أضاف إليه حير الوحوش، ومد إليه فرعا من النهر المعروف بالمعلى.

وقصر الزهور وهو من المباني المهمة وقد أمر ببنائه الملك فيصل الأول في الحارثية على يمين الداخل بغداد من الجانب الغربي، وقصر الرحاب هو على مقربة من قصر الزهور في الحارثية أيضا على يسار الداخل إلى بغداد من الجانب الغربي، وقد أنشأه الأمير عبد الإله ولي العهد والوصي على عرش العراق، والقصران يعتبران أفخم ما بني في مدينة بغداد في هذه الأيام.

الحدائق:

بعد أن استوطنت المدينة بالناس، بدأت أعمال التشجير والتزيين وحفر الترع والأنهار يمتد إلى داخلها وخارجها، فكان يسقي مزارع بغداد الغربية وبساتينها ما يزيد على ثمانية أنهار بين كبير وصغير غير القنوات التي كانت تجري تحت الأرض في المحلة الحربية. يضاف إلى ذلك ثمانية أنهار أخرى تسقي مزارع الجانب الشرقي من ا لمدينة.

ولقد انتشرت ببغداد جنان وحدائق كانت نموذجا لأرقى ما وصل إليه فن تنظيم الحدائق. ومن أشهر حدائقها العامة (حديقة المقتدر) التي بناها المقتدر بالله، وكانت ذات ميادين واسعة متعددة، غرست فيها أربعمائة نخلة ذات طول واحد هو خمسة أمتار، وألبست جميعها خشبا من الساج المنقوش من أصلها في الأرض إلى حد السعف بحلق من شبه مذهب. وكان يسير بين هذه الميادين نهر رصاص قلعي يمر على بركة مستطيلة طولها ثلاثون ذراعا وعرضوها عشرون ذراعا. وحولها أربعة طيارات لطاف بمجالس مذهبة وأغشيتها دبيقي مذهب، وإلى جانب هذه الحديقة تقوم دار الشجرة. وبالإضافة إلى الحدائق العامة فقد كان هناك أيضا حدائق الحيوان وعرفت باسم (الحير). فكان للخليفة الأمين بن الرشيد جماعة خاصة يركبون البغال يصطادون له الأسود ويضعونها في أقفاص ثم ينقلونها إلى قصره. وكان قد وجه إلى جميع البلدان في طلب الوحوش والسباع والطير. كما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير