بفتح الدال على البناء للمفعول , قال ابن مالك: فيه جواز استعمال ليس حرفا لا اسم لها ولا خبر , وقد أشار إليه سيبويه. ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبر.
قلت: ورواية مسلم تؤيد ذلك , فإن لفظه " ليس ينادي بها أحد ".
قوله: (فتكلموا يوما في ذلك , فقال بعضهم اتخذوا)
لم يقع لي تعين المتكلمين في ذلك , واختصر الجواب في هذه الرواية , ووقع لابن ماجه من وجه آخر عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم إلى الصلاة , فذكروا البوق , فكرهه من أجل اليهود. ثم ذكروا الناقوس , فكرهه من أجل النصارى " وقد تقدمت رواية روح بن عطاء نحوه. وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ وعند أبي عمير بن أنس عن عمومته عن سعيد بن منصور.
قوله: (بل بوقا)
أي بل اتخذوا بوقا , ووقع في بعض النسخ " بل قرنا " وهي رواية مسلم والنسائي. والبوق والقرن معروفان , والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته , وهو من شعار اليهود , ويسمى أيضا " الشبور " بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة المضمومة الثقيلة.
قوله: (فقال عمر أولا))
الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر كما في نظائره. قال الطيبي: الهمزة إنكار للجملة الأولى , أي المقدرة وتقرير للجملة الثانية.
قوله: (رجلا)
زاد الكشميهني " منكم ".
قوله: (ينادى)
قال القرطبي: يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم بادر عمر فقال: أولا تبعثون رجلا ينادي - أي يؤذن - للرؤيا المذكورة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قم يا بلال " فعلى هذا فالفاء في سياق حديث ابن عمر هي الفصيحة , والتقدير فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد , فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه فصدقه فقال عمر. قلت: وسياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك , فإن فيه أنه لما قص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ألقها على بلال فليؤذن بها , قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد رأيت مثل الذي رأى , فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه. والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي للصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه , وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك والله أعلم. وقد أخرج أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس عن عمومته من الأنصار. قالوا: " اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها , فقال: انصب راية عند حضور وقت الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا , فلم يعجبه " الحديث. وفيه " ذكروا القنع - بضم القاف وسكون النون يعني البوق - وذكروا الناقوس , فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأري الأذان , فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: وكان عمر رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما منعك أن تخبرنا؟ قال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله " ترجم له أبو داود " بدء الأذان " وقال أبو عمر بن عبد البر: روى قصة عبد الله ابن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة وهي من وجوه حسان وهذا أحسنها.
قلت: وهذا لا يخالفه ما تقدم أن عبد الله بن زيد لما قص منامه فسمع عمر الأذان فجاء فقال قد رأيت , لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيا عنه لقوله " ما منعك أن تخبرنا " أي عقب إخبار عبد الله فاعتذر بالاستحياء , فدل على أنه لم يخبر بذلك على الفور , وليس في حديث أبي عمير التصريح بأن عمر كان حاضرا عند قص عبد الله رؤياه , بخلاف ما وقع في روايته التي ذكر بها " فسمع عمر الصوت فخرج فقال " فإنه صريح في أنه لم يكن حاضرا عند قص عبد الله , والله أعلم.
قوله: (فناد بالصلاة)
¥