عيسى وتارة ناموس موسى , فعند إخبار خديجة له بالقصة قال لها ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية , وعند إخبار النبي صلى الله عليه وسلم له قال له ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها , وكل صحيح. والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (يا ليتني فيها جذع)
كذا في رواية الأصيلي , وعند الباقين " يا ليتني فيها جذعا " بالنصب على أنه خبر كان المقدرة قاله الخطابي , وهو مذهب الكوفيين في قوله تعالى (انتهوا خيرا لكم). وقال ابن بري: التقدير: يا ليتني جعلت فيها جذعا. وقيل: النصب على الحال إذا جعلت فيها خبر ليت , والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار , قاله السهيلي وضمير " فيها " يعود على أيام الدعوة. والجذع - بفتح الجيم والذال المعجمة - هو الصغير من البهائم , كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره , وبهذا يتبين سر وصفه بكونه كان كبيرا أعمى.
قوله: (إذ يخرجك)
قال ابن مالك فيه استعمال " إذ " في المستقبل كإذا , وهو صحيح , وغفل عنه أكثر النحاة , وهو كقوله تعالى (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر) هكذا ذكره ابن مالك وأقره عليه غير واحد. وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن النحاة لم يغفلوه بل منعوا وروده , وأولوا ما ظاهره ذلك وقالوا في مثل هذا: استعمل الصيغة الدالة على المضي لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته , ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير " حين يخرجك قومك " وعند التحقيق ما ادعاه ابن مالك فيه ارتكاب مجاز , وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز , ومجازهم أولى , لما ينبني عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة المضي تحقيقا لوقوعه أو استحضارا للصورة الآتية في هذه دون تلك مع وجوده في أفصح الكلام , وكأنه أراد بمنع الورود ورودا محمولا على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال , وفيه دليل على جواز تمني المستحيل إذا كان في فعل خير ; لأن ورقة تمنى أن يعود شابا , وهو مستحيل عادة. ويظهر لي أن التمني ليس مقصودا على بابه , بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به , والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به.
قوله: (أومخرجي هم)
بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع مخرج , فهم مبتدأ مؤخر ومخرجي خبر مقدم قاله ابن مالك واستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوه ; لأنه لم يكن فيه سبب يقتضي الإخراج , لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها. وقد استدل ابن الدغنة بمثل تلك الأوصاف على أن أبا بكر لا يخرج.
قوله: (إلا عودي)
وفي رواية يونس في التفسير " إلا أوذي " فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه لهم بالانتقال عن مألوفهم ; ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك , وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم فتنشأ العداوة من ثم , وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه المقام.
قوله: (إن يدركني يومك)
إن شرطية والذي بعدها مجزوم. زاد في رواية يونس في التفسير " حيا " ولابن إسحاق " إن أدركت ذلك اليوم " يعني يوم الإخراج.
قوله: (مؤزرا)
بهمزة أي: قويا مأخوذ من الأزر وهو القوة وأنكر القزاز أن يكون في اللغة مؤزر من الأزر. وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون من الإزار , أشار بذلك إلى تشميره في نصرته , قال الأخطل: " قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم " البيت.
قوله: (ثم لم ينشب)
بفتح الشين المعجمة أي لم يلبث. وأصل النشوب التعلق , أي: لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات. وهذا بخلاف ما في السيرة لابن إسحاق أن ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب , وذلك يقتضي أنه تأخر إلى زمن الدعوة , وإلى أن دخل بعض الناس في الإسلام. فإن تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح , وإن لحظنا الجمع أمكن أن يقال: الواو في قوله: وفتر الوحي. ليست للترتيب , فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكرا بعد ذلك في أمر من الأمور فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع. وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان , وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع , وليحصل له التشوف إلى العود , فقد روى المؤلف في التعبير من طريق معمر ما يدل على ذلك.
(فائدة):
¥