دعاني لهذا أن متخصصًا سألته في زمن مضى: هل اشتريت كتاب (الحجة) لأبي علي الفارسي فقد خرج كاملا ــ والحمد لله ــ، فأجاب: ولِمَ أشتريه؟، يكفي عنه كتاب (البحر)، فعجبت من هذا الفهم، وتساءلت: هل كل ما قام به العلماء من جمع وترتيب للعلوم والفنون كان عبثًا؟!
وفي المقابل أعجبني أخي الكريم الأستاذ أبو محمد المنصورأحد أعضاء هذا المنتدى المبرزين الذي أفادنا بوجود ثلاث طبعات لكتاب (الفرق بين الأحرف الخمسة) لابن السيد ثم قال:
وفي كل طبعة منها محاسن لا ينكرها القارئ المنصف، وفي كل منها ما يُحْسَب عليها، مما جعلني لا أكتفي بالقراءة في طبعة دون الالتفات إلى الثانية والثالثة، بسبب تفرق الجهود، والله المستعان
ومن خلال التجربة وجدت أنه لا يحفل بالكتب إلا البحَّاثة النهم، فقد دخلت منزل الشيخ أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري فوجدت أن الدور العلوي كله مكتبة عامة في جميع الفنون والعلوم، وكان ــ حفظه الله ــ ينام فيها ويأكل ويشرب بين أرففها، وكان يقول: قراءاتي لا تصفو وتحلو إلا في الليل حين يخلد أهل البيت إلى الراحة والنوم.
أما الشيخ محمد عضيمة ـــ رحمه الله ــ فحدِّث عن البحر ولا حرج، لقد أعدَّ عملا علميًا تعجز عنه اللجان والفرق العلمية في المؤسسات التعليمية، وهو الكتاب الضخم (دراسات في أسلوب القرآن الكريم)، كما فَهْرَسَ أمات الكتب في اللغة العربية قبل ظهور فهارسها وقبل معرفة فهرسة الكتب، يقول الشيخ: " بدأت بقراءة خزانة الأدب، فراعني الإفاضة في الشرح، ينفض كتب الأدب واللغة والتفسير على كل شاهد يعرض له، مما يشهد بغزارة المادة، وسعة الاطلاع، وعجبت كيف استطاع البغدادي أن يتتبع الشاهد في هذه الكتب الكثيرة، والطباعة لم تعرف بعد، ولا عرفت هذه الكتب لونًا من ألوان الفهارس الحديثة، غلب على ظني أن البغدادي كان يفهرس ما يقرأ، فقلتُ: ينبغي لي أن أسلك هذا الطريق، وأترسَّم هذا النهج؛ ليكون ذلك خير معين لي في دراستي "، ثم عدَّد الكتب التي قرأها قراءة دقيقة فاحصة وفهرسها، وهي على النحو الآتي:
1 - الخزانة.2 - الكتاب.3 - المخصص.4 - الخصائص.5 - الروض الأنف.6 - مغني اللبيب.7 - الأشباه والنظائر.8 - الكامل للمبرد.9 - أمالي الشجري.10 - مجالس ثعلب.11 - الاقتضاب.12 - شرح أدب الكاتب للجواليقي.13 - البرهان للزركشي.14 - بدائع الفوائد لابن القيم.15 - ألف با للبلوي.16 - إصلاح المنطق لابن السكيت.17 - شرح المفصل لابن يعيش 18 - شرح الكافية للرضي.19 - نتائج الأفكار للسهيلي.
ولعل الأستاذ الكريم أبا محمد المنصور يتحفنا ببعض أخبار شيخه، فقد أشار إلى ذلك في إحدى مشاركاته قائلا:
كما أخبرنا أستاذنا محمد عضيمة أحد الأفذاذ الذين صنعوا فهارس لأهم الكتب النحوية مثل كتاب سيبويه، وكتاب المقتضب وتفسير أبي حيان الموسوم بالبحر المحيط (وهذا الفهرس لم يطبع بعد وكان الشيخ -رحمه الله - تعاقد مع مكتبة دار العلوم بالرياض على نشره)
أيها الإخوة والأخوات:
لقد نبتت نابتة تستخف بالأعمال الكبيرة، مع أنها لا تقدِّم شيئًا لأمتها، فلا هم ألفوا كتابًا، ولا هم صنعوا صناعة تغنيهم عن غيرهم، هَمُّهم النقد غير البناء، ولو سألته في مسألة علمية دقيقة لحار في جوابها، وما أتى بشيء يذكر سوى التهوين والتهويش ورص الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
إنني أدعو من هذا المنبر أن يكون لنا وقفات مع الكتب وطبعاتها، ولعل الإخوة الأعضاء، كلٌّ في تخصصه يتحفوننا بأسماء بعض الكتب ومؤلفيها ومحققيها وعدد طبعاتها وسنة طبعها والدار التي تولت نشرها، ويكون ذلك على قسمين: الكتب التي صدرت حديثًا، والقسم الثاني: الكتب القديمة التي طبعت طبعات مختلفة، ولها أثر في بابها.
ثم إذا كان للفصيح هذا الأثر وهذه الشهرة ألا يمكن أن يقوم بإعداد بعض الكتب المتخصصة للتحميل من الشبكة بدلا من الاعتماد على المواقع الأخرى؟، هذا سؤال وطلب أوجهه للمشرف على الموقع جزاه الله خيرًا.
كما أدعو إلى ذكر تراجم لبعض أعلام اللغة وأساطينها قديمًا وحديثًا، وخاصة من التلاميذ الذي درسوا على أيديهم؛ إذ يظهر لي أن كل واحد منا درس في جامعة فيها من الأعلام والأفذاذ من يستحق الإشادة والإشارة، فمن أعضاء هذا المنتدى من كانت دراسته في الجامعات المصرية، ومنهم من درس في الجامعات السعودية، ومنهم من درس في الجامعات العراقية، وكذا الشامية، ولا ننسى المغرب العربي، وغير ذلك من البلاد، فَلِمَ نبخل على أساتذتنا بالتعريف بهم؟ سواءً من كان منهم حيًا أم ميتًا ــ حفظ الله الأحياء وأمد في أعمارهم ورحم الموتى وتجاوز عن سيئاتهم ــ.
إنه مشروع دار في خاطري فأحببت أن يشاركني فيه إخواني، فأرجو أن يلقى آذانًا مصغية، وأقلامًا مبادرة.
الأخت الكريمة معالي تقولين:
ولعلكم تأذنون بنقل الموضوع إلى منتدى الكتاب، حيث المكان اللائق.
وأقول: لك ذلك، فالمقصود الفائدة.
هذا واعذروني على الإطالة، وتقبلوا أعطر التحايا.
¥