تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولو اعتبرنا معنى الامتثال وهو معنى متحقق في كليهما: في الأول فعلا، وفي الثاني تركا، وقد رجح جمع من الأصوليين بأن الترك: فعل، واستدلوا بنحو قوله تعالى: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، فسمى تركهم النهي عن الإثم وأكل السحت: صنعا، لو اعتبرنا ذلك، فكلاهما قد أتى بجنس المأمور، ورجح جانب الثاني من جهة أن تركه سماع الأغاني، إن نوى الامتثال المتقدم، هو في نفس الوقت: ترك للمنهي، فهو فعل باعتبار، ترك باعتبار آخر، بينما اقتصر الأول على فعل المأمور، مع كونه مندوبا، باستثناء ما تصح به الصلاة، وهو قدر مشترك بينهما.

وقد يرجح جانب الثاني أيضا من جهة أن: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فقد درأ عن نفسه مفسدة السماع مقدما ذلك على جلب مصلحة القراءة المندوبة، بينما أتى الثاني بالمصلحة المندوبة قبل أن يستوفي درء المفسدة الواجب، والإتيان بالمندوب قبل تمام الفرض أمر غير محمود شرعا، فالأولى تقديم الواجبات على المندوبات.

فالثاني على الأقل: قد حمى حصونه من الغزو، وإن كانت مؤنه أقل، بينما الأول قد فتح على نفسه جبهة قتال، قد لا تكفي مؤنه لغلقها، مع كونها أكثر.

ويبقى أن الترك ليس مقصودا لذاته، وإنما هو بمثابة الحد الذي يحمي الإنسان، بينما الفعل مقصود لذاته، لأنه يصيب عين المصلحة التي من أجلها خلق الخلق: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، فالمقصود بالنهي عن البدع والمنكرات إقامة السنن والشعائر، وليس مجرد الترك، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه.

والأمر يخضع لقرائن خارجية أخرى تتعلق بباطن كل منهما، وهو مما لا اطلاع لبشر عليه، فقد يكون مقترف الذنب، مع خضوعه وانكساره، خيرا عند الله، عز وجل، ممن لم يقترفه، وقد تكون له من الحسنات الماحيات ما ليس للثاني، فتكفي لمحو سيئته، بل وترفعه عمن لم يرتكبها، والله، عز وجل، أعلم بالسرائر وأعمال القلوب، ميزان التفاضل الحقيقي، فليس الشأن هيئة العبادة الظاهرة بقدر ما هو روحها، وإن كان الإتيان بظاهرها وفق السنة مما يزكي روحها ويجعلها أقرب إلى السداد: ظاهرا وباطنا، فكلاهما مرآة للآخر.

وقد يستعظم الإنسان الكبيرة، ويخشى تَبِعَتها، فتصغر في عين الله، عز وجل، وقد يستحقر الصغيرة، ولا يخشى تبعتها، فتعظم في عين الله، عز وجل، وتكون سببا في هلاك صاحبها، وفي الحديث: (إياكم ومحقرات الذنوب).

والله أعلى وأعلم.

ـ[الأحيمر السعدي]ــــــــ[09 - 11 - 2007, 01:50 م]ـ

الأخ مهاجر نفعك الله بعلمك وجزاك خير الجزاء

ـ[أبو سارة]ــــــــ[22 - 11 - 2007, 11:10 ص]ـ

الموسيقى فن قائم بذاته له أصول وقواعد تشبه إلى حد كبير أصول علم العرَوض، والإنسان الذي يزعم أنه لايحب الموسيقى إنما هو إنسان (غير طبيعي).

لأن الطبيعة كلها بما فيها من مخلوقات إنما هي تركيب موسيقي متناغم بكل المقاييس، مشكلة الحديث في هذا الموضوع أن السواد الأعظم من المناقشين ينطلقون من منطلقات شرعية بتحريم الموسيقى وهذا إشكال يبيح لهم (من وجهة نظرهم) التلفظ بكلمات (إرهابية) ضد مخالفيهم، وهذه معضلة ابتلينا بها، وإذ نقدر وجهة نظر الفقهاء ممن حرموا الموسيقى على الإجمال، إلا أن رأيهم ليس كل الرأي.

لن نتكلم عن الدول المتقدمة التي قامت بإنشاء مستشفيات خاصة للعلاج بالموسيقى وقد أثبتت نجاحها، لكننا سنذكر أن الدول الإسلامية والعربية قاطبة لاتخلو من جامعات ومعاهد متخصصة بتدريس الموسيقى الشرقية والغربية لاتقل شهاداتها عن الجامعات الأخرى وربما تقدمت على الجامعات الأخرى، لأن الدراسات بها جادة وتطبيقية، وهذا شيء ندركه ونفهم معناه، فهل يعتبر هذا قدح في ولاة أمر هذه الدول الذين سمحوا بتدريس هذا العلم! بل ولا يستقبلون ضيوفهم على ساحات المطار إلا بعزف موسيقي؟

الجواب: بالطبع لا، فكل كريم طروب، وسير دول الإسلام والخلفاء في كتب الأدب والتاريخ تذكر عشقهم للموسيقى.

نشوة الطرب التي أشار إليها الأستاذ محمد، نتيجة طبيعية لشعور الإنسان الطبيعي، والإنسان الذي لايطرب للموسيقى هو إنسان غير طبيعي، تماما كالغصن الميت المصفر، وإن كان هناك من يحب الموت على هذا النحو فلا بأس، ولكن لانسمح له بقتل فطرتنا الطبيعية.

المسألة والكلام في هذا الأمر فيه سعة، وإذ كنا نكن كل احترام للمخالفين ورأيهم، إلا أن السماح بالتشنيع على غيرهم ممن خالفوهم برأي أو مسألة أمر مرفوض لانقبله، وأهلا بالحوار الجاد الهادف، ولا أهلا بسواه.

وللحديث صلة ...

ـ[أبو طارق]ــــــــ[22 - 11 - 2007, 10:47 م]ـ

وأهلا بالحوار الجاد الهادف، ولا أهلا بسواه.

حياك الله أستاذنا

ونأمل من المشاركين أن يضعوا ذلك نصب أعينهم

وحياكم الله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير