تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبوب النووي، رحمه الله، في شرح مسلم: "بَاب النَّهْيِ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْمُزَفَّتِ وَالدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَبَيَانِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ الْيَوْمَ حَلَالٌ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا)، وذكر أحاديث كحديث وفد عبد القيس، وحديث ابن عمر، رضي الله عنهما: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَرِّ وَالدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ وَقَالَ انْتَبِذُوا فِي الْأَسْقِيَةِ)، و: الْجَرِّ وَالدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ: أنواع من الجرار نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الانتباذ فيها، وحديث: (كَانَ يُنْتَبَذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ فَإِذَا لَمْ يَجِدُوا سِقَاءً نُبِذَ لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ).

يقول النووي، رحمه الله، معلقا على حديث وفد عبد القيس:

"وَأَمَّا مَعْنَى النَّهْي عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَع فَهُوَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الِانْتِبَاذ فِيهَا وَهُوَ أَنْ يُجْعَل فِي الْمَاء حَبَّاتٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِيَحْلُوَ وَيُشْرَبَ. وَإِنَّمَا خُصَّتْ هَذِهِ بِالنَّهْيِ لِأَنَّهُ يُسْرِع إِلَيْهِ الْإِسْكَار فِيهَا فَيَصِير حَرَامًا نَجِسًا وَيَبْطُل مَالِيَّته فَنَهَى عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِتْلَاف الْمَال وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا شَرِبَهُ بَعْد إِسْكَاره مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الِانْتِبَاذ فِي أَسْقِيَة الْأَدَم بَلْ أَذِنَ فِيهَا لِأَنَّهَا لِرِقَّتِهَا لَا يَخْفَى فِيهَا الْمُسْكِر. بَلْ إِذَا صَارَ مُسْكِرًا شَقَّهَا غَالِبًا. ثُمَّ إِنَّ هَذَا النَّهْي كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر ثُمَّ نُسِخَ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذ إِلَّا فِي الْأَسْقِيَة فَانْتَبِذُوا فِي كُلّ وِعَاء وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا "". اهـ

فالنبيذ الذي شربه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو: نبيذ التمر، الذي يشبه إلى حد كبير "الخشاف" الذي يفطر عليه المصريون في رمضان، ولكن الجاهل جهلا مركبا: تجاهل حقيقة الكلمة اللغوية، وحقيقتها العرفية في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقفز مباشرة إلى حقيقتها العرفية في زماننا، ومعلوم أن نصوص الشريعة إنما تفسر بلغة من نزلت عليهم لا بلغة "البارات" و "الخمارات" في عصرنا الحاضر!!!

وهم القوم تتبع المتشابه والإعراض عن المحكم، فأين أولئك من النصوص المحكمة في قضية التوحيد وقضية تحريم المسكر تحريما قطعيا لا اشتباه فيه، سواء أكانت في القرآن أم في السنة، بل إنهم يتبعون المتشابه في كتبهم لينصروا معتقدهم الباطل ويعرضون عن الحق الذي يوجد فيها لأنه يهدم باطلهم، وإلى ذلك أشار شيخ الإسلام، رحمه الله، في "الجواب الصحيح" بقوله: "وهذا الذي سلكوه في القرآن هو نظير ما سلكوه في الكتب المتقدمة وكلام الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور وغيرها فإن فيها من النصوص الكثيرة الصريحة بتوحيد الله وعبودية المسيح مالا يحصى إلا بكلفة وفيها كلمات قليلة فيها اشتباه فتمسكوا بالقليل المتشابه الخفي المشكل من الكتب المتقدمة وتركوا الكثير المحكم المبين الواضح فهم سلكوا في القرآن ما سلكوه في الكتب المتقدمة". اهـ

وتتبع المتشابهات ملمح أصيل في منهج أي مبتدع سواء أكان على ملة غير ملة الإسلام، أو على نحلة غير نحلة أهل السنة.

وليس الغرض: حصر شبههم وبيان بطلانها، وإنما يكفي في هذا المقام بيانها بالمثال، وكثير منها، كما تقدم، ناشئ من جهلهم الفاضح بلغة الوحي، ولهذا كانت دراسة العربية وعلومها وآدابها من أقوى الأسلحة في حفظ الوحي الذي نزل بها والتصدي لشبهات المخالفين، فليست دراستها من قبيل "الترف العلمي".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير