الفلسفة الرواقية التجريدية التي أثرت في مسلك الرهبان، فاعتزلوا الدنيا وغلوا في الزهد، ومنهم تسرب هذا التصور الخاطئ إلى المتصوفة.
والفلسفة الإبيقورية الإباحية.
فلا عجب أن يقسم مؤرخو الغرب النصرانية إلى قسمين:
نصرانية المسيح صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي دعا إلى التوحيد كما دعا إليه إخوانه من الرسل عليهم الصلاة والسلام.
ونصرانية بولس، أو: "كوكتيل بولس" إن شئت الدقة، وهو ما نشاهده اليوم من عقائد متشعبة لا تمت للوحي المنزل بصلة.
وفي مقدمة الرسالة المذكورة تلخيص نافع لتاريخ الكنيسة النصرانية.
والتلريخ يثبت أن القول بالتثليث وألوهية المسيح صلى الله عليه وسلم لم يظهر إلا سنة: 325 م في مجمع "نيقية"، ومن ثم ظهر القول بألوهية روح القدس، عليه السلام، في مجمع القسطنطينية سنة: 381 م، فلم تكن هذه المعتقدات موجودة زمن المسيح صلى الله عليه وسلم، ولا زمن أتباعه الموحدين، وإنما هي مما صنعته أيدي القوم بعدهم، كحال أي ملة أو مذهب باطل، فهو دائم التجدد، فأوله شبر وآخره ميل!!!!!
وما أظن عاقلا يقبل هذا الهذيان، وصدق إمام الأندلس وسلطانها ابن حزم، رحمه الله، إذ يقول في "الفصل": "ولولا أن الله تعالى وصف قولهم في كتابه إذ يقول تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" وإذ يقول تعالى حاكياً عنهم أن الله ثالث ثلاثة وإذ يقول تعالى: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"، لما انطلق لسان مؤمن بحكاية هذا القول العظيم الشنيع السمج السخيف وتالله لولا أننا شاهدنا النصارى ما صدقنا أن في العالم عقلاً يسع هذا الجنون ونعوذ بالله من الخذلان".
وصدق شيخ الإسلام، رحمه الله، إذ يقول:
"وقال تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً}.
لأن الغالب عليهم الجهل بالدين وأنهم يتكلمون بكلام لا يعقلون معناه ليس منقولا عن الأنبياء حتى يسلم لقائله بل هم ابتدعوه وإذا سألتهم عن معناه قالوا: هذا لا يعرف بالعقول فيبتدعون كلاما يعرفون بأنهم لا يعقلونه وهو كلام متناقض ينقض أوله آخره ولهذا لا تجدهم يتفقون على قول واحد في معبودهم حتى قال بعض الناس: لو اجتمع عشرة نصارى افترقوا على أحد عشر قولا.
وقال الربعي: النصارى أشد الناس اختلافا في مذاهبهم وأقلهم تحصيلا لها لا يمكن أن يعرف لهم مذهب ولو سألت قسا من أقسائهم عن مذهبهم في المسيح وسألت أباه وأمه لاختلفوا عليك الثلاثة ولقال كل واحد منهم قولا لا يشبه قول الآخر.
وقال بعض النظار: وما من قول يقوله طائفة من العقلاء إلا إذا تأملته تصورت منه معنى معقولا وإن كان باطلا إلا قول النصارى فإنك كلما تأملته لم تتصور له حقيقة تعقل لكن غايتهم أن يحفظوا الأمانة أو غيرها وإذا طولبوا بتفسير ذلك فسره كل منهم بتفسير يكفر به الآخر كما يكفر اليعقوبية والملكانية والنسطورية بعضهم بعضا لاختلافهم في أصل التوحيد والرسالة إذ كان قولهم في التوحيد والرسالة من أفسد الأقوال وأعظمها تناقضا كما بين في موضع آخر". اهـ
"الجواب الصحيح"، (1/ 365).
فإذا سألت أحدهم عن هذا المعتقد المتناقض، قال لك: الإيمان فوق المناقشة!!!!.
والشرع قد يأتي بمحارات العقول، فيأتي بأمور تحار العقول في كيفيتها، ولكنها لا تحليها، فمعناها متصور في الذهن، وإن جهلت كيفيتها، كصفات الباري، عز وجل، ونعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار، وعذاب القبر، والروح ............... إلخ من الغيبيات فيقع الابتلاء من جهة الإيمان بها دون إدراك لكيفيتها، ولكنه لا يأتي بمحالات العقول، وهي الأمور التي يستحيل تصورها لكونها محالة لذاتها، إذ كيف تقام الحجة على البشر بطلاسم لا تدركها عقولهم، فمثل ذلك كمثل من أراد إقامة الحجة على قوم بغير لسانهم!!!!
¥