تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عطفه على الخلق في قوله تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)، والعطف يقتضي المغايرة في مثل هذا الموضع.

فدعوى أن هذا العلم: ترف، ومضيعة للوقت، وشاغل عن معارك "الإصلاح" و "التغيير" إلخ، دعوى باطلة، فمعركة الإسلام ليست محاربة الفساد الإداري أو إصلاح البنية التحتية ........... إلخ من المصالح التابعة، بل هي معركة عقيدة أولا، ومن ثم ينظر في المصالح الجزئية، فيقدم الأهم ثم المهم، لئلا تبدد الجهود وتستنفذ الطاقات في معارك جانبية قليلة الفائدة.

وهذه الأمة، كما قال أحد الفضلاء المعاصرين تحتاج إلى: "نهضة علمية عملية"، كتلك التي قامت في عهد الوزير السلجوقي الفذ: نظام الملك، رحمه الله، الذي قاوم المد الباطني الخبيث بإنشاء المدارس التي عرفت باسمه: "المدارس النظامية"، وعهد إلى كبار علماء عصره كـ: أبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين أبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي، رحم الله الجميع، بالتدريس فيها، وإن تأثر أولئك الأفاضل بطريقة المتكلمين في الأصول، ولكنهم في الجملة كانوا: أئمة زمانهم، فإليهم انتهت رئاسة الشافعية.

فلا يكفي مجرد العلم بلا عمل، وإلا تحول إلى ترف فكري عقيم، وإنما العمل قرين العلم.

والقوم، كما تقدم، يستغلون الظرف الاقتصادي الخانق الذي تعيشه مصر في هذه الأيام، فلا فكر عندهم ينهض لفكر المسلمين، ولا بديل عندهم سوى مقررات مجامع "نيقية" و "القسطنطينية" التي تمجها العقول الصريحة والفطر السليمة، وإزاء ذلك: يجب على كل ذي يسار من المسلمين الغيورين: تخصيص جزء من دخله لرعاية الأسر المسلمة الفقيرة، وما أكثرها في مصر، وما أكثر الجهات الأهلية المعتمدة رسميا التي تقبل التبرعات، فالعمل على مستوى الأفراد أو المؤسسات الأهلية حتم لازم، بشرط أن تكون الجهة أو المؤسسة موثوقا بالقائمين عليها، وبعدالتهم، وصدق تحريهم، حتى يذهب المال إلى مستحقيه، فالمسألة الآن أشبه بإعطاء المؤلفة قلوبهم، سهمهم الذي فرضه الله، عز وجل، لهم، ليثبتوا على دينهم، ومع الاهتمام بسد حاجة الأبدان، لابد من سد حاجة الأرواح بشراء الكتب النافعة والكتيبات الموجزة التي تشرح أصول هذا الدين وأركانه العملية بطريقة سلسلة ميسرة، وتوزيعها على الشباب المسلم، فكثير منهم متعطش إلى معرفة أمور دينه، معظم لشعائره، وإن كان يجهل كثيرا منها، فهو يحتاج فقط إلى من يرشده إليها، ليسد فاقة روحه، والحق واضح يسير لا يحتاج إلى تكلف في عرضه، بخلاف الباطل فهو يحتاج إلى زخرف ليروج على سامعه، فحاله أشبه ما يكون بحال المرأة الدميمة التي تخفي دمامتها خلف قناع من مساحيق الزينة، فما على المسلم إلا بيان الحق فقط، والله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين، فالإرشاد والدلالة مهمة الداعي، والتوفيق والسداد من الله عز وجل.

والجهات التي تبنت صد هذه الهجمة الشرسة، كقناة الأمة على سبيل المثال، جديرة بالدعم المادي والمعنوي، وسنة التدافع: سنة كونية جارية، فلولا الباطل لما ظهرت فضيلة الحق، فالكفر من أعظم أسباب ظهور الإيمان.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "الجواب الصحيح"، وهو من أبرز المصنفات في رد باطل القوم:

"ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين وبيان حقيقة أنباء المرسلين ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير