ويجب أن نقف هنا وقفة لابد أن تكون ظاهرة ومعلومة حتى لا نحتاج إلى الكلام فيها مرة أخرى, وهي أن القول بجمود فرعٍ من فروع المعرفة يحتاج إلى مراجعة لأن الذي يجعل الأفكار جامدة هو العقل الذي يقرؤها , الذي يجعلها موصوفة بالقحط والجدب هو العقل القارىء؛لأن المعروف عند كل مفكري البشر أن العقل الفذ هو الذي ينفث الحياة في الرميم , وأن استخراج الفكرة الحية من الفكرة التائهة المبتذلة هو عمل العبقرية , عمل العقل المتفوّق , والعلوم بدون عبقرية وبدون عقلٍ متفوّقٍ تكون كلّها صائرةً إلى الشيخوخة ثم الموت , هذا أصل.
الأمر الأخير في هذا الباب هو أن هناك أفكارا شائعة في حياتنا العقلية وهي ضارة بنا ضررًا فاتكا؛ فكرٌ سرطاني ونحن جميعًا نتقبّله من غير أن ندرك أنّه فكرٌ سرطاني مهلك للمعرفة؛ وهو القول بأننا نبحث عند الآخرين عما ينفعنا , هذا صحيح في الرياضيات والفيزياء وغيرها, أمّا فصيلة العلوم الإنسانية كالأدب والشعر والبلاغة وغيرها فالواجب هو ليس أن نبحث عند الاخرين عما ينفعنا وإنما أن نُنتِج نحن بعقولنا ومن علومنا ما ينفعنا ,ولا يجوز أن نطالب من قبلنا بأن يُعِدُّوا لنا من المعرفة ما يسُدُّ حاجتنا؛ لأنّهم صنعوا المعرفة التي تسُدُّ حاجتهم هم, وعلينا نحن أن نضيف إلى فروع معارفنا ما يجعلها قادرة على سدِّ حاجتنا , أنا لا أقول إن بلاغة المتقدمين أو المتأخرين فيها ما يكفينا ولا فكرهم فيه ما يكفينا , إنما علينا نحن أن نضيف إليها ما يكفينا , قل: البلاغة صالحة لأن نبني عليها ما يسد حاجتنا؛ لأنّ الأسلوبية التي بين أيدينا لم يقدمها علماؤها لنا من إرث آبائهم ,وإنما هي من صناعتهم هم , صناعة المعرفة إذا توقفت في الأمة فقل على الدنيا السلام, وإذا رأيتَ الأمة تعيش على استيراد المعرفة فقل عليها العفاء , وليست عقولنا عاجزة عن صناعة المعرفة وإنما صرفتنا هذه الأفكار السرطانية التي ذكرت ,وبدلًا من البحث المنتج في صناعة المعرفة نعمل جوالين في الأمم؛ لنجلب إلى أمتنا ثمار عقولهم!؛ لأنّ شجرتنا صارت شجرة عجوزًا عقيما, وهذا من البلاء الذي يجب أن يزول.هذا بلاء ولو روّج له المروّجون الذين اقتنعوا بأن يكونوا سماسرةَ معرفةٍ بدلَ أن يكونوا علماء.
أمّا مسألة وجود مساحات تلتقي فيها وعليها أفكار الأمم؛ هذا أمرٌ طبيعي لأنّ أباهم آدم و أمّهم حوّاء؛إنما لكل علمٍ ولكل لغةٍ و لكل ثقافةٍ خصوصيتها؛ تلتقي مع غيرها وتختلف ,ولابد من المحافظة على هذه الخصوصية, ومن الخطأ المُبِيْر المُهلِك أن أتخيَّر عناصرَ من ثقافةٍ أخرى وأغرسها في علمٍ من علوم العربية؛لأنّي لابد أن أجد في علومنا ماهو قريبٌ من ثقافة الآخرين, أو أن أجد في علوم الآخرين ماهو قريبٌ من ثقافتنا, وكان هذا خطرا مُبِيرا لأنّي سأنتهي إلى علومٍ مهجنة: لاهي عربية ولا هي أعجمية, وإنما هي في المنزلة بين المنزلتين, وهذا تهجينٌ للمعرفة, وافتقادٌ لخصوصيتها, وعلينا أن نرجع إلى القاعدة الأمّ؛ وهي أنّ نُنْتِج ما ينفع ونصنع ما ينفع ونضيف لعلومنا بعلومنا ما ينفع ,وليس الّّلصْق من علوم الآخرين؛ هذا عملُ العجزة وإن شاع وتشيّع له من تشيع!
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[04 - 03 - 2008, 09:14 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
مرحباً بشيخنا الفاضل الدكتور محمد أبي موسى، وما أسعدنا بتجدّد اللقاء مع شخصكم الكريم .. أجزل الله لكم المثوبة، وأبقاكم ذخراً لعلومنا ..
ـ[نزار جابر]ــــــــ[04 - 03 - 2008, 09:56 م]ـ
اهلا وسهلا بك عالمنا ننتظرك بشوق
ـ[د. محمد الرحيلي]ــــــــ[05 - 03 - 2008, 07:43 ص]ـ
مرحباً بكم شيخنا الكريم في رحاب منتدانا الفصيح
عرفناك أستاذنا وتتلمذنا عليك من خلال كتبك وتلاميذك البررة، فلله ما أبدع ما سطرتم، ولله ما أجمل ما أخرجتم من درر العلم ونفائسه، ولله ما أنجب ما ربيتم من طلبة العلم وأخرجتم
أستاذي الكريم!
تحدثتم في كتابكم من أسرار التعبير القرآني عن التنغيم الصوتي وأثره البلاغي، وأنّه بحاجة لمزيد درس، ووعدتم بدرسه إن تمكنتم، فهل تسنى لكم ذلك، أو لأحد تلاميذكم؟
شكر الله لكم أستاذي حضوركم وتشريفكم لنا في منتدى الفصيح
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[05 - 03 - 2008, 01:59 م]ـ
ويجب أن نقف هنا وقفة لابد أن تكون ظاهرة ومعلومة حتى لا نحتاج إلى الكلام فيها مرة أخرى, وهي أن القول بجمود فرعٍ من فروع المعرفة يحتاج إلى مراجعة لأن الذي يجعل الأفكار جامدة هو العقل الذي يقرؤها , الذي يجعلها موصوفة بالقحط والجدب هو العقل القارىء؛لأن المعروف عند كل مفكري البشر أن العقل الفذ هو الذي ينفث الحياة في الرميم , وأن استخراج الفكرة الحية من الفكرة التائهة المبتذلة هو عمل العبقرية , عمل العقل المتفوّق , والعلوم بدون عبقرية وبدون عقلٍ متفوّقٍ تكون كلّها صائرةً إلى الشيخوخة ثم الموت , هذا أصل.
لله درك
أصبت كبدها
¥