وأحلى ما فيه هو إعطاءه وصفا لكل من قرأ عنهم حتَما خُيِّلَ إلي أني أجالسهم عياناً، لا بل أنني أنظر إلى عقولهم المُحتجبة تحت رؤوسهم.
يدلَّ ذلك كله على أن العلم لا يُعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كُلَكَ، ويبدو أن شيخنا أعطى نفسه للعلم مرات عديدة فجاء العلم ـ علم البلاغة ـ يسعى حثيثاً بين يديه.
جزاك الله عنا كل خير يا شيخ البلاغيين.
سؤالي لك وهو جدَّ مختصر سيدي:
هل يمكننا القول أنَّ البلاغة هي الوجه الوحيد للإعجاز القرآني، بمعنى ذلك الإعجاز الذي يدوم من الفاتحة حتى الناس؟ وتقبل مودتي.
أشكرك أخي موسى على الترحيب, وعلى كلماتك التي لا أستحقها. وكل مسلم لابد أن يكون غيورًا على علوم أمّته وتراثها الذي هو دينها وعقيدتها؛فلا فرق بين الدين والعلم! وأرجو أن يوفقنا الله وإياك لأداء ما علينا من حقٍّ لهذه الأمة العظيمة!
أمّا سؤالك:
هل يمكننا القول أنَّ البلاغة هي الوجه الوحيد للإعجاز القرآني، بمعنى ذلك الإعجاز الذي يدوم من الفاتحة حتى الناس؟
فأقول:
لايجوز الخلاف بين المسلمين في أن القران معجز؛ لأن الله تعالى أخبر بأنه معجز: لمّا قال: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ (سورة البقرة24)؛ ولن تفعلوا تأكيد النفي , يعني لن يأتي جيلٌ من أجيال البشر من يوم نزل إلى يوم ينفخ في الصور قادرٌ على أن يأتي بأقصر سورة منه.
أما وجه الإعجاز يعني الأمر الذي به كان القرآن معجزًا فهذا مما ورد الخلاف فيه. و الجمهور على أن وجه الإعجاز هو البلاغة ,ليس لأن غير البلاغة غير معجز, ولكن لأن التحدي كان بالبلاغة , نظرًا لنبوغ العرب في البلاغة؛ فكان التحدي لهم في الأمر الذي نبغوا فيه , لا ريب بين علماء الأمة في أن معاني القرآن معجزة ولكنّ الله لم يتحداهم بها , لأنهم لم يكونوا أهل علم بالشرائع. فالإخبار عن الأمم الماضية معجزٌ بنص القرآن كما جاء في آخر قصة نوح عليه السلام قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} هود49 ,هذا صريحٌ في أن إخبار سيدنا رسول الله بهذه القصة أمرٌ إلهي , وكما جاء في سورة يوسف في آخر قصة يوسف عليه السلام: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} يوسف102 , ومثل هذا كثير في الكتاب العزيز , وكذلك قٌلْ في التشريع.
الخلاصة أن كل مافي القرآن معجز , وقد عدّد السيوطي وجوهًا كثيرةً للإعجاز , ثم قال: وهو معجزٌ بكلّ ذلك. القرآن كلام الله , وكلامه موصوفٌ بكلّ كمالٍ منزّهٌ عن كلّ نقص , وكَمَالاتُ القرآن كمالاتٌ مُطْلقة ليست ككمالات البشر المقيّدة بحدود طاقات البشر.
ـ[(البوتقة)]ــــــــ[05 - 03 - 2008, 11:53 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الكريم: أسعد الله مساءك كما أسعد أريجكم الدنا
شيخي: هناك مسألة أحارت فكر البلاغيين كثيرا ـكما أرىـ وهي مسألة مراعاة مقتضى الحال لدى الأديب، هل هذا الحال هو حال الأديب باعتباره يكتب ما يختلج في نفسه / أم هو مقتضى حال المخاطب باعتباره السامع القارئ فلا بد من مراعاته؟؟؟؟
فالحال على من يعود برأي شيخنا؟؟
وهل وجهة نظري القادمة صحيحة أم لا؟ وهي: مراعاة مقتضى الحال ترجع الى هدف الأديب من كتابة أدبه: فان كان يكتب للناس وجب مراعاة حالهم،
وان كان يكتب لاخراج خلجاته (لنفسه) راعى حاله.
وهل يمكن القول بأن هناك فنون تستلزم مراعاة حال المخاطب كالخطابة مثلا، وفنون تتطلب مراعاة حال الأديب كالخاطرة والمذكرات.
ولك مني كل الشكر ياشيخي الكريم
ـ[الشيخ د. محمد أبو موسى]ــــــــ[06 - 03 - 2008, 12:07 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أسئلتي إلى ضيفنا الكريم الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى - أحياه الله لأهل العلم وأحيى به طالبيه:
- لعلّ الناظر في علوم البلاغة العربية قديماً يلفته التقسيم الذي جرت عليه كتب البلاغة في مراحلها الأولى، فهل هذا التقسيم في الإطار العام جاء كيفما اتفق، أو أنّ تفكيراً معيّناً كان يحكمه؟
¥