تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[الشيخ د. محمد أبو موسى]ــــــــ[13 - 03 - 2008, 02:37 ص]ـ

شيخنا الجليل:

إنه لشرف أي شرف أن يحل في منتدانا هذا أمثالكم من القامات السامقة والقمم العالية.

وقد وددت ـ بعد الترحيب ـ هنا أن أطرح على فضيلتكم بعض الاستفسارات التي تشغل بالي، لعلها أن تتجلل بفضل رعايتكم، وكريم جوابكم، وأنتم أهل الفضل:

1ـ من خلال تجربتكم الطويلة وخبراتكم المتراكمة في دراسة الأدب والبلاغة؛ ما هو برأيكم المنهج الأمثل لدراسة الشعر الجاهلي من منظور فني بحت، وكيف يمكن استثمار القيمة البيانية العليا للشعر الجاهلي في محاولة فهم إعجاز القرآن، ولو من جهة البيان؟

2ـ ما هي في ـ رأيكم الشخصي ـ مهمة الشعر والشاعر؟ وهل أضرَّ بالشعر أم نفعه دخوله في مضمار السياسة و (الأدلجة)؟

3ـ ما رأيك الشخصي في الأدب الإسلامي من حيث: المصطلح ـ القيمة الفنية؟

مع خالص شكري وتقديري

أرجو الله أن يمنحك من الشرف ما يرفع منزلتك, وأرجو أن أكون على شيءٍ مما قلت!

التحليل البياني للشعر الجاهلي و إعجاز القرآن:

1ـ من خلال تجربتكم الطويلة وخبراتكم المتراكمة في دراسة الأدب والبلاغة؛ ما هو برأيكم المنهج الأمثل لدراسة الشعر الجاهلي من منظور فني بحت، وكيف يمكن استثمار القيمة البيانية العليا للشعر الجاهلي في محاولة فهم إعجاز القرآن، ولو من جهة البيان؟

أعقَدُ ما في الدرس اللغوي والأدب والنقد والبلاغة هو تحليل الشعر , ونحن نستهين به لأننا في الحقيقة لا نقوم بتحليل الشعر, الذي يُكتَبُ في تحليل الشعر إنماهو كلامٌ سطحي سمَّيناه تحليل الشعر؛ لأنّ تحليل الشعر لايتمّ إلا إذا توفَّرتْ أمور:

أوّلُها: العلم باللغة: والعلم باللغة لا يعني العلم بالمفردات و إنما يعني الدلالات الخاصة بكلّ مفردة؛ فالفعل له دلالة, والاسم له دلالة, و المضارع له دلالة لا يدلُّ عليها الماضي, واسم الاشارة له دلالةٌ لا يدلُّ عليها اسم الموصول, وهكذا , وليس بيننا وبين الشعر إلا هذه اللغة؛فإذا جهلناها فليس بيننا وبين الشاعر والشعر طريقٌ للتواصل , فالمنهجُ الذي هو الطريق الذي لا طريق سواه لتحليل الشعر هو اللغة والصيغ والتراكيب وكلُّ ما يدخل في هذه البنية اللغوية من دقائق وخفايا, وأغمضُ مافي الشعر هو ساكنٌ في تلك الزوايا الخفيّةِ التي في هذا البناء اللغوي؛ فقد ترى المعنى الشعري الرائع تحت تنكيرٍ لكلمة أو تحت تقديم ٍ لكلمة أو تحت حذفٍ أو تحت تكرير, وهكذا.

ثمّ إن تحليل الشعر مع حاجته المُلِحَّةِ إلى كلِّ هذا الباب ـ هو أيضًا في حاجةٍ إلى دارسٍ ذي طبعٍ حيٍّ حسّاس؛ يُدركُ وحيَ الكلمة و يُدركُ وحيَ النغمة, ويُدركُ كلَّ تلك العوالمِ الرائعةِ والمبهجةِِ والخفيَّةِ و الساكنة في الشعر.

وكيف يمكن استثمار القيمة البيانية العليا للشعر الجاهلي في محاولة فهم إعجاز القرآن، ولو من جهة البيان؟

أمّا كيف يمكن استثماره في فهم إعجاز القرآن البيانيّ؛فالطريقُ إلى ذلك هو تحليلُ هذا الشعر, والخبرةُ البالغةُ العمقِ لهذا الشعر, والتذوقُ الشاملُ لخفايا وغوامض هذا الشعر, ومعرفةُ طرائقِ اللغة في الإبانةِ عن معانيه, ومعرفةُ الخصوصياتِ التي يتميز بها, ثم الانتقالُ إلى درسِ القرآن بالأدوات نفسِها والشروطِ نفسِها و المحاولاتِ نفسها , حينئذ يظهر الفرقُ كفَلَقِ الصُّبح.

ومما أجمع عليه علماؤنا أنّ الشعر الجاهلي هو الطريق إلى معرفة الإعجاز؛لأنّ لغتَه هي اللغة التي نزل بها القرآن أعني بيان الشعر, و أصحابَها هم الذين خوطبوا بالتحدي.

مهمة الشعر و الشاعر:

2ـ ما هي في ـ رأيكم الشخصي ـ مهمة الشعر والشاعر؟ وهل أضرَّ بالشعر أم نفعه دخوله في مضمار السياسة و (الأدلجة)؟

مهمَّة الشعر رسالة ثقافية تؤدي ما تأهّل الشِّعرُ لأدائه؛ من تثقيف النفس وإيقاظ الحسِّ, والتعبير عن هموم الروح الإنسانية, آمالها وغاياتها , إلى آخرما في الشعر من معاني: اقرأ ديوان أبي القاسم الشابي و اسأل أين رسالة الشعر و الشاعر؟ ـ يُجِبْك الديوان, واسأل ديوان المتنبي ـ يُجِبْك ديوان المتنبي, و ممّا افتقدناه في الحياة الاجتماعية والثقافية و السياسية أيضًا ـ ضياعُ صوتِ الشعر, والشعراءُ هم الذين قَتَلوا الشعر؛ لأنَّهم سلكوا به مَنزَعًا غير المَنزَعِ الذي اعتادته الأذنُ العربية, و صار الشعرُ لغةً غامضةً محجوبةً بعيدة, وغاب حضورُه في الطبقةِ الاجتماعية التي كانت تتغنّى به , وسواءٌ كان هذا استعلاءً للشعر, أو كان تغييرًا له أو تطويرا: سمِّه ما شئت , لكن بالقطع غاب الشعرُ إلا البقايا التي نقرؤها لبعض شعرائنا الذين يعيشون قضايانا, ويتكلمون باللسان الذي أَلِفْناه, والنغمِ الذي عرفناه؛ ينفذون إلى قلوبنا من تلك المنافذ التي نفذ إليها كبارُ وكرامُ شعرائنا.

الشعر والسياسة:

وهل أضرَّ بالشعر أم نفعه دخوله في مضمار السياسة و (الأدلجة)؟

أمّا الدخولُ في السياسة؛ فالشعرُ يعبِّرُ عن همومِ النفسِ الإنسانية و عمّا يجيش في هذه النفس من خيرِ أو شرٍّ أو ضلالٍ أو هُدى , و الشعرُ مغموسٌ في قضايانا السياسية وغيرها من يوم أنْ بكى الديارَ ابنُ حِذام: معلَّقةُ زهير سياسةٌ من أَلِفِها إلى يائها, و معلَّقةُ عنترة سياسة, الشعرُ في حقيقته هو طريقةُ تعبير الشاعر, أمّا المضمونُ الذي يُعبِّرُ عنه الشاعر؛ فهذا مفتوح, حتى إنهم أجازوا الكذبَ في الشعر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير