تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

استمر الأستاذ النورسي على تأليف رسائل النور حتى سنة 1950م وهو يُنقل من سجن إلى آخر ومن محكمة إلى أخرى .. هكذا طوال ربع قرن من الزمان. ولم يتوقف خلاله عن التأليف والتبليغ حتى أصبحت في أكثر من (130) رسالة، جمعت تحت عنوان «كليات رسائل النور» التي لم تتيسر لها أن ترى طريقها إلى المطابع إلا بعد سنة 1954م. وكان الأستاذ النورسي يشرف بنفسه على الطبع حتى كمل طبع الرسائل جميعها. تُرجمت هذه الرسائل إلى مختلف لغات العالم (العربية والإنكليزية والألمانية والفرنسية والروسية ولغات بلدان آسيا الوسطى وغيرها من اللغات حتى الصينية).

رسائل النور رسائل علمية إيمانية. هي علمية بمعنى الموثوقية المستمدة من صحيح العلم الشرعي المكين، وهي إيمانية بمعنى أنها لا تقصر غايتها على تقديم (معلومات) عن الإسلام، بل غايتها إيقاظ الإيمان الباهت، وإنقاذ الإيمان المهدد بالذبول، وتقوية اليقين بالله، وبث الأمل في مستقبل الإسلام وحاضره جميعاً. تقصد رسائل النور إلى تعميق التدين وتأكيد الممارسة العملية لشعائر الإسلام، مثلما تستهدف ضبط حركة الحياة بإيقاع الشرع القويم. وشتان بين أن تعرف (معلومات) إسلامية ـ كمن تعرف عدد شهداء أحد وأسماءهم ـ وبين أن تمضي في الحياة مجاهدًا في سبيل الفضيلة ومكارم الأخلاق.

في أجواء الاستبداد والعداء للإسلام التي فرضت على تركيا مدة ربع قرن، كتب النورسي المنفي من موطنه رسائل النور، ليُسهم في إنقاذ الإيمان المهدد في بلد الخلافة. أراد السفهاء تربية جيل يتولى بنفسه إزالة القرآن، وأراد الله أن يشرع النورسي في تربية جيل يحيا بالقرآن وللقرآن. أراد النورسي أن يربي مريديه على القرآن، فلم تكن رسائله سوى باب إلى أنوار القرآن العظيم موئل الهداية والعصمة. يقول النورسي: «إن رسائل النور تفسير للقرآن الكريم وهى وثيقة الصلة به، ذلك الكتاب الجليل المرتبط بالعرش الأعظم، لذا لا تسري أخطائي وتقصيراتي الشخصية إلى الرسائل»

لا عجب بعد ما تقدم أن يقول النورسي عن رسائله إنها «تفسير معنوي للقرآن الكريم ومعجزة معنوية له».

شاء الله أن تذيع رسائل النور ـ برغم التضييق والنفي والتشريد والسجن ـ على أيدي تلاميذ النورسي، الذين حفظوها ونسخوها بأيديهم، في زمن عَزَ فيه وجود المطبعة التي تقبل بطباعتها. ويوم تيسرت آلات الطباعة في تركيا كانت الحروف العربية قد صارت مما يحظره النظام الأتاتوركي هنالك. لكن يأبى الله إلا أن تبلغ رسائل النور ما بلغ الليل والنهار، فقد رأيتها في زمن الإنترنت متاحة بعشرين لغة من لغات البشر، في متناول كل راغب فيها ينالها بلمسة زر. وفي مكتبة الإسكندرية قرأت نسخة كاملة في ثمانية مجلدات بالعربية، ولاحظت أنها مصنفة ضمن مجموعة كتب التصوف.

الحرية أولاً: كان النورسي قد دافع بقوة لدى انهيار الدولة العثمانية عن (المشروطية) أو الشورى الملزمة، وكافح (الاستبداد) حتى أُجبر على الإقامة بعيدًا عن موطنه لأكثر من عقدين من الزمان.

وعندما لاحت أولى نسائم الحرية خرج النورسي للإدلاء بصوته في الانتخابات 1950م. وتربع رئيس الوزراء المنتخب عدنان مندرس في قلب الشعب، عندما أعاد الأذان إلى أصله باللغة العربية، وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة، وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم. ولما أنجزت الحكومة ما وعدت أرسل النورسي برقية شكر إلى رئيس الجمهورية التركي، والذي رد بدوره عليه ببرقية مماثلة.

وفي انتخابات 1954م عبر الشعب التركي عن امتنانه وتقديره لمندرس فحصل على 503 مقاعد من أصل 541.

أحس النورسي أنه نجح في إنقاذ الإيمان في تركيا، فلبى نداء الكريم في الخامس والعشرين من رمضان سنة 1379هـ الموافق 23 آذار 1960 م ودفن في مدينة «أورفة».

بعد شهرين من وفاة النورسي وضع العسكر يدهم على الحكم صباح 27 مايو/أيار 1960م، وكان أول إنجاز لهم هدم قبر النورسي، ونقل رفاته بالطائرة إلى جهة مجهولة، بعد أن أعلنوا منع التجول في مدينة «أورفة». وحكم العسكر بالسجن مدى الحياة على رئيس الجمهورية، وبالإعدام على كل من رئيس الوزراء عدنان مندرس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو ووزير ماليته حسن بولاتقان بحجة اعتزامهم (قلب النظام العلماني) وتأسيس دولة دينية بديلة مكانه.

معلم في مستشفى المجاذيب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير