تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سعادة عندما تصبح عامة للكل أو للأكثرية، بيد أن سعادة هذه المدنية هي لأقل القليل من الناس. لأجل كل هذا لا يرضى القرآن الكريم بمدنية لا تضمن سعادة الجميع أو لا تعم الغالبية العظمى.

بم امتاز الإسلام عن سواه؟

لما سئل عن ذلك أجاب: أما المدنية التي تأمرنا بها الشريعة الغراء وتتضمنها، فهي التي ستنكشف بانقشاع هذه المدنية الحاضرة، وتضع أسسًا إيجابية بناءة مكان تلك الأسس النخرة الفاسدة السلبية. نعم! إن نقطة استنادها هي الحق بدلاً من القوة. والحق من شأنه: العدالة والتوازن. وهدفها: الفضيلة بدلاً من المنفعة، والفضيلة من شأنها: المحبة والتجاذب. وجهة الوحدة فيها والرابطة التي تربط بها المجموعات البشرية: الرابطة الدينية، والوطنية، والمهنية بدلاً من العنصرية. وهذه شأنها: الأخوة الخالصة، والسلام والوئام، والذود عن البلاد عند اعتداء الأجانب. ودستورها في الحياة: التعاون بدل الصراع والجدال، والتعاون من شأنه التساند والاتحاد. وتضع الهدى بدل الهوى ليكون حاكمًا على الخدمات التي تقدم للبشر، وشأن الهدى: رفع الإنسانية إلى مراقي الكمالات، فهي إذ تحدد الهوى وتحد من النزعات النفسانية تُطمئن الروح وتشوقها إلى المعالي.

الخصوصية والعولمية: لا ينبغي أن ننخدع، بل نجعل القاعدة الآتية دستور عمل لنا وهي: خذ ما صفا ودَع ما كدر. وفي ضوئها سنأخذ من الأجانب ـ مشكورين ـ كل ما يعين على الرقي المدني من علوم وصناعات. أما العادات والأخلاق السيئة، فهي ذنوب المدنية ومساوئها التي لا يتبين قبحها كثيرًا لكونها محاطة بمحاسن المدنية الكثيرة. فنحن لو أخذنا منهم المدنية ـ بسوء حظنا وسوء اختيارنا ـ بما يوافق الهوى والشهوات ـ كالأطفال ـ تاركين محاسنها التي تحتاج إلى بذل الجهد للحصول عليها، نكون موضع سخرية كالمخانيث أو كالمترجلات، إذ كيف إذا لبست المرأة ثياب الرجل ولبس الرجل ثياب المرأة يكون كل منهما موضع سخرية واستهزاء. ألا ما يكون لنا أن نتجمل بمساحيق التجميل ... ينبغي لنا الاقتداء باليابانيين في المدنية، لأنهم حافظوا على تقاليدهم القومية التي هي قوام بقائهم، وأخذوا بمحاسن المدنية من أوروبا. وحيث إن عاداتنا القومية ناشئة من الإسلام وتزدهر به فالضرورة تقتضي الاعتصام بالإسلام .. ». هكذا تكلم النورسي المتوفى سنة 1960م.

التلاعب بالعدالة: وإنه شيء يقلب جوهر العدل إلى ظلمٍ، ويوحي إلى الانحياز من وجهة العدل، هو التعبير الذي يطلق علي بتسميتي وفي كل مرة (سعيد الكردي) مع أن اسمي سعيد النورسي هنا وفي إسبارطة في التحقيقات وذكرهم إياي بأني كردي. وبهذا يوقظون حسًا ضدي عند إخوتي في الآخرة يتعلق بالحمية القومية، فضلاً عن أن هذا تغيير لمجرى المحكمة وماهية عدالتها تغييرًا تامًا.

قبل كل شيء أنا مسلم، وولدت في كردستان. لكني خدمت الترك، وإن تسعًا وتسعين من خدماتي النافعة حصلت للترك، وأمضيت معظم عمري بين الترك، وأخلص إخواني وأصدقهم ظهروا من الترك، وأستطيع أن أُشهد ألفًا من شباب الترك الحقيقيين الشهمين، بأني خدمت الملة التركية أكثر من ألف من هؤلاء الذين يظهرون أنفسهم محبين لقوميتهم وينعتونني بالكردي، حيث إن حب الترك وتأييدهم أكثر من الملل الأخرى هو من مقتضيات خدمتي القدسية، خدمة القرآن، لأنهم أشد أبطال الجيوش الإسلامية شجاعة.

العلم بالله يعصم من الإضرار بالناس: إن من دَرسَ رسائل النور، لن يخوض في فتن تهدر دماء أبرياء كثيرين وتضيع حقوقهم، ولن يقترب بأي وجه من فتن تكرر فشلها وضررها. وإن عشر فتن في هذه السنوات العشر، لم يشترك فيها عُشر طلاب رسائل النور، بل لم يشترك فيها واحد منهم، إنما يدل على أن الرسائل ضدها وأنها مدار تحقيق الأمن والنظام. وا عجبي! أيهما أسهل من جهة الإدارة وحفظ الأمن، ألف رجل مؤمن أم عشرة رجال بلا دين لا يضبطهم ضابط؟ نعم. إن الإيمان بفيض الخصال اللطيفة، يمنح حس الرحمة والميلَ إلى الحذر من إلحاق الضرر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير