تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يرددون هذه الكلمة منذ ثلاثة شهور: أن سعيدًا الكردي يستغل الدين للسياسة. وأنا أقسم بجميع المقدسات أن لو كان عندي ألف سياسة لكنت فديتها للحقائق الإيمانية. فكيف أجعل الحقائق الإيمانية أداة لسياسة الدنيا؟ ... وأنا بدوري أتهم الظالمين الملحدين الذين يحاولون العمل ضدنا بأنهم يستغلون السياسة للإلحاد .. إن المادة القانونية التي تنص على الذين يستغلون الشعور الديني للإخلال بالأمن، لابد أن يكون لها تفسير، حيث إنها واسعة شاملة جدًا. إذ لها قيود احترازية. وإلا فهذه المادة وهذا المعنى الواسع كما يُدينني يدين جميع أهل الدين وفي مقدمتهم رئاسة الشؤون الدينية والأئمة والخطباء والوعاظ.

و لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله

حوكم النورسي بسبب رسائل النور، فتحولت مرافعاته في ساحات المحاكم إلى رسائل جديدة تضاف إلى رسائل النور. وعندما كان يزج به في السجن كان يجعل من سجنه مدرسة، ومن سجانيه طلاب علم. وعندما أريد للنورسي أن ينطوي تحت عباءة السلطة وقف في قاعة البرلمان يدعو النواب إلى المحافظة على الصلاة لوقتها. وعندما قررت الحكومة نفيه عن أهله وداره تفرغ للعبادة والتدبر وتأليف رسائل النور، وتحول المنفى إلى مدرسة، والسجن إلى معتكف. وصار فرض الإقامة الجبرية بمنزلة فرصة للخلوة الإيمانية. وعندما كانت الشرطة تفتش عن أوراقه كانوا يعثرون على رسائله المفقودة، التي كان هو نفسه يتمنى العثور على نسخة واحدة منها. وصار سجنه المتكرر فرصة للقاء طلابه الذين جمعوا من ولايات متباعدة.

في سيارة السجن: وقد سفر بديع الزمان إلى أنقرة بإحدى سيارات النقل العمومية في أواخر شهر رمضان وفي يوم شديد الحر، ولكنه وهو في الطريق لا ينسى أن يؤدي واجب التبليغ والإرشاد إذ يلتفت إلى حارسه قائلاً له: «هل يمكن الإيعاز إلى السيد السائق بأن يوقف السيارة؟ فلا إكراه في الدين ولكن عندي بعض النصائح أريد أن أسديها للركاب».

أوقف السائق السيارة والتفت بديع الزمان إلى الركاب مخاطبًا: «إن هذه الليلة ليلة القدر على أغلب الاحتمال، إن ثواب قراءة القرآن الكريم في الأيام الاعتيادية هو عشر حسنات لكل حرف من القرآن، وفي أيام رمضان ألف حسنة، أما في ليلة القدر فهو ثلاثون ألف حسنة، فلو عرض أحدهم عليكم خمس ليرات ذهبية لقاء عمل ما، أما ترغبون في الحصول عليها؟!

أجاب الركاب: «نعم .. نرغب في ذلك.».

فقال لهم: «إذًا فليقرأ كل مسلم منكم الآن سورة (الفاتحة) ثلاث مرات، وسورة (الإخلاص) مرة واحدة وآية الكرسي مرة واحدة، فإنها ستكون لكم ذخرًا في حياتكم الأبدية».

صدى من رحلة الرسول [إلى الطائف: خرج الأستاذ أحد أيام الصيف من بيته متوجهًا إلى الجبل كعادته .. كان الجو صحوًا والشمس مشرقة وما إن وصل إلى قمة الجبل حتى تلبدت السماء بالغيوم السوداء منذرة باقتراب عاصفة .. وفعلاً ما لبثت السماء أن أرعدت وأبرقت وبدأت الأمطار تسقط بغزارة .. كان الأستاذ وحيدًا على قمة الجبل ليس له من ملجأ يتقي فيه سَيلَ المطر المُنهَمر سوى الأشجار التي لم تكن هي الأخرى كافية لتمنع عنه البَلل، وبعد مدة ليست بالقصيرة خفت شدة المطر وأخذ ينزل رذاذًا، وانتهز الأستاذ الفرصة وقفل راجعًا إلى البلدة، وقد تبلل من رأسه إلى أخمص قدميه، وفي الطريق تمزق حذاؤه، فدخل البلدة وهو يَحملُ حذاءه بيده ويغوص في الطين بجواربه الصوفية البيضاء.

وهناك بالقرب من نبع الماء كان جمع من أهالي «بارلا» مجتمعين يتحدثون، شاهدوا هذا المنظر المؤثر، منظر العالم الجليل المهيب المنفي عن موطنه .. الوحيد .. المقاطع من قبل الجميع، وهو يحمل حذاءه الممزق بيده، ويغوص في الطين بجواربه، وقد تلطخت أطراف ثيابه بالطين، خيم سكون ثقيل على الجميع وتجاذبت الكثيرين عاطفتان مختلفتان، عاطفة الإسراع لمد يد المساعدة إليه، وعاطفة الخوف من عيون السلطة المترصدة لكل حركة من حركاته، وأخيرًا يندفع من بين الجمع شخص اسمه «سليمان» ويصل إليه حيث يأخذ الحذاء من يده ويغسله في الحوض ثم يرافقه حتى منزله ويصعد معه إلى غرفته، ويصبح (سليمان كروانجي) هذا أول صديق له ويتتلمذ على يديه ويقوم بخدمته ثماني سنوات في بارلا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير