تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن الأسس توفير مكتبة للطالب، وقد كانت رسائل النور تمثل للطالب مكتبة مطالعة باللغة المستهدفة. أما التعلم التعاوني فقد طبقه النورسي قبل شيوع التنظيرات الأكاديمية لهذا الأسلوب في التعلم.

ومن تلك الأسس التكامل بين تعلم اللغة وتعلم المضامين المعرفية المعبر عنها بنفس اللغة. وهذا من أعمق الفلسفات في النظر إلى اللغة، ومن أشمل المداخل في تعليم اللغة وتعلمها. كان الطالب المتمكن يكلف بترجمة نصوص من اللغة المستهدفة (رسائل النور بالعربية) إلى اللغة الأم (التركية) وأحيانًا العكس، فقد كتبت بعض رسائل النور بالتركية ابتداء ونقلها الطلاب إلى العربية. التدريس المكثف اليومي من أنجع أنماط التدريس للغات. حكى تلاميذه: «كان الدرس يدوم على الأغلب ثلاث ساعات أو أربع ساعات وأحيانًا بل نادرًا يطول إلى خمس ساعات. كان يقرأ علينا باللغة العربية ويوضح ويشرح المعنى بالتركية. ولا يخفى ما للمثنوي العربي النوري من أهمية حيث يمثل منشأ «رسائل النور» وأصولها، وقد درسنا الأستاذ «المثنوي» مرتين. ودرسنا كذلك «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز» العربية».

ومن تلك الأسس اتخاذ النص القرآني محورًا للتدريس، بل محورًا للحياة. يقول النورسي: « .. فلم أجمّل أنا حقائق القرآن، بل لم أتمكن من إظهار جمالها، وإنما الحقائق الجميلة للقرآن هي التي جمّلت عباراتي ورفعت من شأنها».

وكما جعل النص القرآني محورًا للتدريس، فقد جعله أيضًا أساسًا لفن الخط العربي الجميل. ولفن الخط العربي في تركيا سُمُوٌ خاص، حتى قيل: «نزل القرآن بمكة، وقرئ بمصر، وكتب بتركيا» نعم، أنجبت تركيا أعظم الخطاطين لكنوز الخط العربي. وقد كان النورسي هو الذي أشار على تلميذه (خسرو) بكتابة المصحف الشريف، لإبراز التوافقات العجيبة في رسم لفظ الجلالة، مما عد لونًا من ألوان الإعجاز.

وكان النورسي يخطط لتصنيف معجم عربي، لا يذكر المعاني المتعددة للكلمة الواحدة ـ كما يفعل القاموس المحيط مثلاً ـ بل يورد الكلمات المتعددة التي تدور حول معنى واحد. وقد هيأ نفسه للمهمة فحفظ من القاموس المحيط إلى حرف السين. لكن لم ينجز مشروعه المعجمي، بل تركه فكرة، فالتقطها بعض المجتهدين.

سمات المعلم: وليت معاهد التعليم تبحث لمهمة تعليم العربية عن أكثر المعلمين كفاءة وتمكًنا، مثلما لم يكن هنالك من هو أشد تمكنًا من النورسي. كما كان المعلم (النورسي) يعتبر طلابه ـ غير الملازمين ـ ضيوفًا، فكان يرى حقًا للزائر على المزور أن يعامله معاملة الضيف. ولم يقبل النورسي قط أجرًا، فضلاً عن أن يقبل هدية أو صدقة. وله في هذا الأمر تشدد بالغ وعزيمة عرفت عنه منذ صغره، فقد جرت العادة في شرق الأناضول أن يأخذ الطلاب من أموال الصدقات، لكن الصبي سعيد كان يأبى في ترفع مبالغ فيه. كانت حياة النورسي تأويلاً لعبارة: «التدريس ليس سلة خبز، فهو تبليغ كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم للناس».

وكان مع الهيبة يبذل المحبة، كان طلابه يصفونه: «لا نرى فيه غير آثار الألفة والأنس مع الهيبة والجلال، نعم كان مبتسما على الدوام، وأحيانا تظهر عليه المهابة والصرامة بحيث ينعقد لساننا عنده ولا نتفوه بشيء» كان شخصية آسرة، وبعبارة الطلاب أنفسهم: «فما كنا نشعر بسأم ولا تعب مع الأستاذ، حتى ولو كان الدرس من الصباح إلى المساء، ومشيًا على الأقدام»

أوتي الصبر على سفاهة السفيه من الغلمان: رماه الصبيان بالحجارة حينما خرج من بيته يومًا في قسطموني قاصدًا التوضؤ من النبع، ولكنه تحمل وتجمل بالصبر، ولم يحمل في صدره غير السلامة وفي قلبه غير الطهر لأولئك الصبيان، فلم يغضب ولم يحقد عليهم بل دعا لهم بالخير وقال: لقد أصبح هؤلاء سببًا لكشفي سرا من أسرار آية جليلة في سورة «يس». ثم أصبح أولئك الصبيان ـ بفضل الله وبركة الدعاء لهم ـ بعد ذلك يهرولون إلى أستاذنا أينما رأوه ويقبلون يده ويرجون منه الدعاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير