تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان النورسي يرى في طلابه أولادًا صالحين يدعون له من بعد موته، فقد عوضه الله بهم عن الذرية، وهو الذي لم يتزوج قط، فكان من دعائهم: «نسأل الله سبحانه أن يحشرنا مع أستاذنا بديع الزمان وكنز العلوم والعرفان وعلامة العصر الذي نشر حقائق الإيمان والقرآن طوال وجوده في مدينتنا قسطموني، وبذل كل ما في وسعه لننال السعادة، ونسأله تعالى أن نكون معه يوم الحشر الأعظم ويأخذنا بيده الحانية المنورة الطيبة إلى حضرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم .. إن شاء الله»

اعتاد الخروج بالطلاب إلى الطبيعة، وربط مشاهدها بالتفكر في آيات الله ودلائل قدرته، مع استحضار ما يناسب المقام من آي القرآن العظيم. حكى الأستاذ مصطفى صونغور: «كنت أنا وزبير مع الأستاذ في غرفة في بستان على حافة بحيرة بارلا أغردير وذلك في ربيع سنة 1954م فقال الأستاذ: قبل ثلاثين سنة تقريبا وفي هذا الموسم حيث تتفتح أزاهير أشجار اللوز، كنت أتجول هنا مشيرًا إلى الأشجار والبساتين وإذا بالآية الكريمة: {فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير}. ترد إلى خاطري، وفتح الله علي هذه الآية في ذلك اليوم، فكنت أسير وأتجول وأتلوها بصوت عال حتى قرأتها أربعين مرة، وفي المساء ألفت رسالة الحشر، الكلمة العاشرة مع الحافظ توفيق الشامي أي أمليت عليه الرسالة وكتبها».

يذكر عبدالله جاويش أيضًا: «ذات يوم جئت إلى الأستاذ، وإذا بالحافظ علي وعدد من الطلاب عنده، بدأ الأستاذ يوزع أجزاء من القرآن الكريم عليهم ليستنسخوه مع تعليمات بكيفية الاستنساخ، ولأني أمي لا أعرف الكتابة والقراءة، قمت لأهيئ الشاي لهم كي أشاركهم الأجر، ولكن ما إن أتيت بالشاي لأوزعه عليهم حتى نهض الأستاذ وأخذ الشاي مني وبدأ هو بالتوزيع فخجلت، إذ كيف يوزع الأستاذ الشاي على طلابه! ولكني سكت أمام إلحاحه الشديد ... ثم قال: إن استنساخكم أجزاء من القرآن الكريم، وسعيكم في سبيل القرآن مقبول عند الله الذي يراكم في وضعكم هذا، وملائكته الكرام يلتقطون صوركم في أوضاعكم هذه، وأنا لكوني خادمًا للقرآن الكريم ينبغي أن أقوم بخدمتكم .. فوزع عليهم الشاي وهم منهمكون بالاستنساخ».

المعلم وضرب الأمثال: برع النورسي في سوق الأمثال إيضاحا لقوله، فمن أمثاله يعزي والدًا في فقد طفله:

«كان هناك رجل كريم في السجن. أُلحق به ولده الحبيب أيضًا. فكان يتألم كثيرًا بمشقات عجزه عن تأمين راحة ابنه فضلاً عن مقاساته آلامه الشخصية. بعث إليه الحاكم الرحيم أحدًا ليبلغه: «إن هذا الطفل وإن كان ابنك لكنه واحد من رعيتي، وأحد أفراد أمتي، سآخذه منك لأربيه في قصر جميل فخم» .. بدأ الرجل بالبكاء والحسرة والتأوه، وقال: «لا. لا أعطي ولدي ولا أسلمه، إنه مدار سلواني!». انبرى له أصدقاؤه في السجن: يا هذا! لا داعي لأحزانك ولا معنى لتألمك. إن كنت تتألم لأجل الطفل فهو سيمضي إلى قصر باذخ رحيب بدلاً من أن يبقى في هذا السجن الملوث المتعفن الضيق. وإن كنت متألمًا لذات نفسك وتبحث عن نفعك الخاص، فإن الطفل سيعاني مشقات كثيرة مع ضيق وألم شديدين فيما إذا بقي هنا لأجل أن تحصل على نفع مؤقت ومشكوك فيه! أما إذا ذهب إلى هناك فسيكون وسيلة لألف نفع وفائدة لك، ذلك لأنه سيكون سببًا لدر رحمة الحاكم لك، وسيصبح لك في حكم الشفيع. ولابد أن الحاكم سيرغب يومًا في أن يسعده باللقاء معك، ولا جرم أنه لن يرسله إليك في السجن، بل سيأخذك إليه ويخرجك من السجن ويبعثك إلى ذلك القصر لتحظى باللقاء مع الطفل، فيما إذا كنت ذا طاعة له وثقة به».

حوار مع شرطي: نفي الشيخ سنة 1926 إلى بارلا. يحكي الجندي المكلف بنقل النورسي:

«كُنتُ في مدينة «أغريدير» عندما استدعوني إلى مركز البلدية صباح أحد الأيام .. فذهبت إليه وكان هناك القائمقام وآمر الجندرمة مع أعضاء هيئة البلدية وشخص معمم في العقد الرابع من عمره يلبس جبة وله هيئة وقورة.

خاطبني آمر الجندرمة قائلاً:

ـ اسمع يابني، عليك أن تأخذ شيخنا هذا المعروف ببديع الزمان إلى بارلا. إن وظيفتك هذه مهمة جدًا، وعندما تسلمه إلى المخفر هناك دعهم يوقعوا على الأوراق الرسمية ثم أخبرنا بذلك. قلت له: حسنًا يا سيدي.

خرجت مع الشيخ وفي الطريق قلت له:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير